1 أغسطس 2025 / 06:22

أصل الإسلام (ما قبل الهيولى، ما قبل الحياة، ما قبل الإنسان، ما قبل التاريخ) (5)

محمد زاوي

(…)

2 ـ انبعاث الكون

الفلك الذي نحن جزء منه لا نعرف عنه كثيرا، ولا نكاد نعرف عن غيره من الأفلاك معرفة دقيقة. معطياتنا عن الأرض والشمس والقمر وباقي كواكب المجرة التي نحن فيها لم تكتمل بعد، بل لم يبلغ علمنا بها مبلغا نهائيا وجالبا للارتياح.

وإلى عهد قريب، قُبيل “الثورة” البورجوازية الأوروبية الحديثة، كان الرأي السائد مناقضا للحقيقة العلمية الحديثة. فقد ظل العالم لقرون يعتقد أن الأرض مركز المجرة، إن لم تكن مركز الكون.

أما قبل ذلك فقد ظن الإنسان أن الأرض بسيطة تتحرك كل الظواهر من أجلها، يمر عليها المناخ وتحولات الطقس، وتداهمها بين الفينة والأخرى كوارث الطبيعة، وتسري فيها قوى الطبيعة النباتية والحيوانية؛ وكله من أجل الإنسان وما قادته إليه معرفته الأولى.

توصل العلم الحديث إلى فرضيات أقرب إلى الإثبات في ما يخص وصف تشكل الكون، فيما بقيت فرضياته بخصوص أصل هذا الكون مفتقرة إلى الكافي من الإثبات العلمي.

الفلك الكوني كواكب كانت مادة واحدة قبل أن تتباعد بفعل درجات عالية من التبريد، وقبل أن يحدث هذا التباعد على فترات هي كالآتي:

– الانفجار العظيم: به انتقلت “المفردة” في وقت وجيز جدا إلى “وضع ما قبل جزيئي”، ثم إلى “وضع جزيئي”.

– تكاثف الجزيئات: “الوضع الجزيئي” كان أشبه بسحابة تضم مجموعة هائلة من الجزيئات، يجتذب بعضها إلى بعض في تكاثف جزيئي حسب خاصيات كل جزيئة.

– تشكل الكواكب: اجتذاب الجزيئات وتكاثفها المستمر أدى إلى تشكل الكواكب والأجسام الفلكية المونة للكون.

– تغير المسافات: فبعد تشكل الكواكب خضعت المسافة بينها للتغير، وهو التغير المستمر والذي لم ينقطع مذ بدأ. إذ هناك اكتشافات عملية تؤكد اتساع الكون وتباعد مكوناته عن بعضها البعض.

هذا جزء بسيط من تاريخ الأرض التي نحن عليها، وهو تاريخها العام كما أن لها تاريخا خاصا يجيب على سؤال: كيف تشكلت الأرض في ظل الحدث الكوني العظيم؟

يجيب العلم على الحدوث الجزئي لا على الكلي، يَعرف إلى حد ما كيف تشكلت القشرة الأرضية والغلاف الجوي، يعرفها في بعض تفاصيلها الجزئية؛ فماذا عن التدبير الكلي لنشأة الأرض وتطورها؟ ماذا عن التشكلات البعيدة عن الأرض والتي كان لها دور في تشكلها وتطورها؟ ماذا عن الأصل الذي حرك هذا الكل كله؟

لا يبلغ العلم هذه العلاقات إلا في الأندر النادر، وإذا بلغ نزرا منها بلغه بنسبية تكاد تكون مطلقة. فكيف سنعرف حقيقة تشكل الكون، وحقيقة تشكل الأرض بقشرتها وغلافها، وحقيقة ظهور الإنسان فيه؛ كيف سنعرف هذه الحقائق وقد غابت عنا الحقيقة الكبرى، أي أصل الكون وكله وروابطه؟!

فلننظر في كتابين: في كتاب العلم، وفي كتاب المعرفة. وقد يقول قائل: ننظر في كتاب العلم، فلِم النظر في كتاب المعرفة؟ وقد أجبنا على هذا السؤال في سياق تمييزنا بين العلم والفلسفة، غير أن الجواب في سياق “تشكل الأرض” يطلب تأملا خاصا.

فكثيرة هي الروابط الكلية بين الأجزاء، كثيرة هي تلك الروابط التي تستعصي على العلم ولو مؤقتا، لكنها تجد في المعرفة استيعابا خاصا. كذلك هو الربط بين الإنسان والتراب، وكلاهما من مادة الأرض، ومن مادة الكون تبعا لذلك. المكونات المشتركة بينهما، تلك التي تشتغل عليها “مباضع التجربة”، غير كافية لإثبات مدى الارتباط بينهما.

كيف يجعل التراب من الإنسان صاحب نشاط وهمة؟

سؤال يستعصي على الجيولوجيا والبيولوجيا، تفسيراتها بخصوصه تحتاج تفسيرا. حاول العلم اقتحام عقبة المجال بما يسمى “علوم الطاقة” إلا أنها لم تحظى بالاعتراف المطلوب لدى أصحاب العلوم البحتة، فضلا عن أنها بقيت إلى المعرفة أقرب، تمارس التأويل بين دقة وإبهام.

(يتبع)