“أسود الخلافة” مؤشر على تورط دول أجنبية في تحريك خيوط الإرهاب

دينبريس
2025-02-25T07:54:28+01:00
تقارير
دينبريسمنذ 4 ساعاتآخر تحديث : الثلاثاء 25 فبراير 2025 - 7:54 صباحًا
“أسود الخلافة” مؤشر على تورط دول أجنبية في تحريك خيوط الإرهاب

دين بريس
برزت عملية تفكيك الخلية الإرهابية الأخيرة (أسود الخلافة بالمغرب الأقصى) كمؤشر استراتيجي يستوجب قراءة معمقة في سياق الأمن الإقليمي والعلاقات الاستخباراتية، فالمعلومات المتاحة تكشف عن ضلوع تنظيم “داعش” بمنطقة الساحل الإفريقي، إلا أن المعطيات الميدانية والمحددات الجيوسياسية تطرح فرضية قوية بتورط استخبارات دولة أو دول أجنبية في هذه العملية، سواء من خلال التواطؤ المباشر أو عبر تسهيل عبور الأسلحة والدعم اللوجستيكي.

وتدل المؤشرات الأولية على أن منطقة الساحل باتت مركز عمليات رئيسي للجماعات الإرهابية التي تتخذ من هشاشة بعض الأنظمة الأمنية في المنطقة غطاء لنشاطها، مع الأخذ بعين الاعتبار موقع المغرب الاستراتيجي، وانخراطه الفاعل في الحرب ضد الإرهاب، ما جعله مستهدفا من قبل هذه التنظيمات ضمن لعبة التوازنات الإقليمية التي تلعبها بعض الجهات.

وكشفت العملية الأخيرة عن حجم التخطيط والتمويل الذي تم تخصيصه لتنفيذ أعمال إرهابية داخل المغرب، حيث تم العثور على أسلحة متطورة ومواد متفجرة مخبأة بطريقة توحي بوجود دعم استخباراتي يتجاوز قدرات المجموعات الإرهابية التقليدية، ذلك أن العثور على الأسلحة ملفوفة في جرائد ورقية صادرة في “مالي” يشير إلى أن شبكات التهريب التي تربط الساحل الإفريقي بالحدود الشرقية للمغرب لم تكن تتحرك بشكل منفرد، بل بدعم جهات توفر لها التغطية والمرور الآمن.

ويؤكد الاستقراء التاريخي أن استخبارات تابعة لدولة أجنبية كانت تحاول دائما استغلال الجماعات المسلحة كأدوات لزعزعة الاستقرار في المنطقة، وبالتالي، فإن صمت أي دولة تجاه وجود ممرات آمنة للأسلحة من مالي نحو الحدود المغربية، وعدم التنسيق الأمني مع الرباط، يعدان من المؤشرات القوية على تورطها في تغذية هذه التهديدات.

ويوضح التحليل الفني للأسلحة المصادرة أن أرقامها التسلسلية قد أزيلت، وهي ممارسة معروفة في شبكات التهريب المدعومة من جهات رسمية أو شبه رسمية تهدف إلى طمس الأدلة التي قد تربطها بالدول المصدرة لها، وهذه التقنية كانت قد استخدمت سابقا في عمليات إرهابية تم كشفها في مناطق أخرى من العالم، حيث تبين أن بعض الأجهزة الاستخباراتية قامت بتوفير الأسلحة بطريقة غير مباشرة لعناصر إرهابية لتحقيق أهداف جيوسياسية معينة.

وتذهب التحقيقات إلى أن الخلية الإرهابية كانت بصدد استهداف منشآت اقتصادية وأمنية حساسة، وهي إستراتيجية سبق أن لجأت إليها التنظيمات الإرهابية في مناطق النزاع، لكنها أيضا تتماشى مع محاولات بعض الدول لإضعاف نفوذ خصومها الإقليميين، وحيث إن المغرب تمكن خلال السنوات الأخيرة من فرض معادلات أمنية متقدمة ومشاريع تنموية كبرى في الصحراء المغربية، فإن الجهات التي ترى في ذلك تهديدا لمصالحها الجيوسياسية قد تلجأ إلى أدوات غير تقليدية لمحاولة عرقلته.

وغياب التنسيق الأمني هو جزء من إستراتيجية أوسع قد تقوم بها دولة معادية بهدف توظيف الفوضى الإقليمية لإعادة رسم موازين القوى، إضافة إلى أن رفض التعاون في مكافحة الارهاب العابر للدول، رغم التهديد المشترك الذي تمثله الجماعات الإرهابية في المنطقة، لا يمكن فهمه إلا في سياق استغلال هذه التهديدات كأداة ضغط سياسي وأمني.

وما يعزز هذه الفرضية هو التوقيت الدقيق للعملية الإرهابية التي تم إحباطها، ويفهم ذلك أنه في الوقت الذي يحقق فيه المغرب تقدما دبلوماسيا في ملف الصحراء، خصوصا مع الاعترافات الدولية المتزايدة بمغربية الأقاليم الجنوبية، تسعى أطراف إقليمية إلى عرقلة هذا المسار عبر خلق بؤر توتر أمنية، وهذا ما يفسر أيضا التركيز على استهداف مؤسسات سيادية مغربية، مما يعكس رغبة في خلق حالة من عدم الاستقرار الداخلي.

وتوحي المؤشرات والأدلة المتوفرة إلى تورط تنظيم “داعش” في محاولة زعزعة استقرار المغرب، وأيضا توجد مصالح أجنبية في دائرة الشك كفاعل غير مباشر (على أقل تقدير)، يوفر الأرضية المناسبة لتحرك هذه التنظيمات عبر تقاعسها عن ضبط حدودها، بل وربما دعمها اللوجستي لمثل هذه العمليات.

إن ما يجب أن يدركه صناع القرار الأمني في المغرب هو أن التحديات القادمة لن تكون فقط عمليات إرهابية منفصلة، بل قد تكون جزء من إستراتيجية أوسع تستهدف استنزاف الأجهزة الأمنية وتشتيت تركيزها بين تهديدات متعددة الأبعاد، وهذا يفرض تطوير نهج استخباراتي أكثر استباقية، يرتكز على كشف شبكات الدعم غير المباشر التي تسمح لهذه التنظيمات بالنمو والتوسع.

إضافة إلى أن إفشال هذه العملية الإرهابية يؤكد مجددا أن المغرب لا يزال قادرا على مواجهة التهديدات الإرهابية بكفاءة عالية، لكن في الوقت نفسه، يستدعي ذلك قراءة أكثر عمقا للدور الذي تلعبه بعض الجهات الإقليمية في تأجيج هذه التحديات الأمنية، فالمعركة ضد الإرهاب تحولت بالضرورة إلى صراع استراتيجي بين الدول وأجهزتها الاستخباراتية في حرب غير معلنة تدار بوسائل غير تقليدية.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.