سعيد الكحل
مرت عشر سنوات على قيادة البيجيدي للحكومة ومثلها على الوعود التي قدمها للناخبين بتقليص الفوارق المجالية وفك العزلة عن العالم القروي دون أن تتحقق على أرض الواقع. فالدستور المغربي أحدث في فصله 142 صندوق التأهيل الاجتماعي وكذا صندوق التضامن بين الجهات بغرض توفير البنيات التحتية الأساسية والرفع من مستوى المعيشي لساكنة البوادي.
لكن البيجيدي لم يعط الأهمية المستحقة للعالم القروي عند وضع برامج حكومته وخططها التنموية رغم كونه وعد بالعمل على “تعزيز البرامج الحالية الهادفة إلى فك العزلة عن العالم القروي، وتشجيع التمدرس والتكوين ومحاربة الأمية خاصة بالنسبة للفتيات في المجال القروي والأحياء الهامشية بالمدن، مع إدخال إصلاحات على حكامتها وتحسين طرق استهدافها للفئات المعنية”.
فبخصوص كهربة العالم القروي ظلت جهود الحكومة محدودة جدا ولم تستطع تعميم الربط بشبكة الكهرباء والماء الصالح للشرب. فمن سنة 2009 إلى 2011 بلغت نسبة الكهربة 97 % ، وفي عام 2012 وصلت 98 %، وبين 2013 إلى 2015 بقيت النسبة ثابتة في 99 %. وقد تطرق تقرير لمجلس النواب حول تقييم برنامج الكهربة القروية، وانتهى إلى الخلاصة التالي ( كانت التفاوتات، على صعيد الأقاليم، أكثر بروزا حيث سجلت مجموعة مؤلفة من 42 إقليما نسبة كهربة تتجاوز أو تعادل 99 % في حين سجلت مجموعة أخرى من 11 إقليما نسبة كهربة قروية دون 95 %.
وتعتبر النسبة الأقل هي تلك المسجلة في إقليم خنيفرة بنسبة كهربة قروية تعادل 79.60 .%وفي الأخير حدد التفاوت النموذجي الإقليمي مقارنة بالمتوسط الوطني في 3.1 %برسم عام 2015 ). بل إن التقرير أشار إلى أن حوالي 19 ألفا و123 بيتا مبرمجا للربط بالطاقة الشمسية في إطار هبة من إمارة أبو ظبي لم يتم تنفيذها بعد في 983 قرية.
وكد كشفت جائحة كورونا عدم قدرة فئة واسعة من تلاميذ الوسط القروي على الاستفادة من التعليم عن بعد بسبب انعدام الكهرباء أو عدم توفرهم على الحواسيب نظرا للفقر الذي تعاني منه أسرهم.
تناقض برامج البيجيدي الانتخابية
في تقديمه لحصيلة الحكومة أكد رئيسها ، سعد الدين العثماني ، أنه مرتاح للحصيلة التي وصفها “بالمشرّفة”، وأن الحكومة حققت ما لم تستطعه الحكومات السابقة. كل هذا المديح ينهار ، سواء أمام تناقض تصريحات رئيس الحكومة وما يقدمه من معطيات مع ما يكشف عنه برنامج حزبه الانتخابي من معلومات، أو أمام الإحصائيات والتقارير الرسمية (لجنة النموذج التنموي ،المندوبية السامية للتخطيط، تقارير لجان برلمانية..).
هكذا نجد مثلا أن البرنامج الانتخابي للبيجيدي 2016 يقر بـ” تراجع مؤشرات التنمية في المناطق القروية، خاصة منها المناطق الجبلية والأكثر عزلة، حيث إن 10 % فقط من الساكنة القروية تستفيد من الربط ببنية تحتية للصرف الصحي و38 % فقط موصولة بشكل فردي بشبكة الماء الشروب، إلى جانب تسجيل نسبة أمية مرتفعة، وخصوصا في صفوف النساء”.
كان من المفروض أن تتدارك الحكومة هذه الوضعية وتعمل على تحسين شروط العيش الكريم والولوج إلى الخدمات الاجتماعية، وفي مقدمتها التعليم، في كل مناطق وجهات المغرب. فالحزب يعترف بعد نهاية ولايته الحكومية الأولى، أن “نسبة التمدرس بالتعليم الإعدادي بلغت بالكاد 63 % ، وشاب واحد فقط من أصل 7 شباب يحصل على البكالوريا. كما أن جودة النظام التعليمي وأداءه العام يبقيان دون المتوسط في كل من التعليم الابتدائي والثانوي والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، حيث تم تصنيف نظامنا التعليمي من بين 21 الأضعف في العالم حسب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ”اليونيسكو“.
هذه هي الحصيلة الحقيقية لحكومة البيجيدي التي تكشف عن فشله في تدبير الشأن العام رغم كل الإمكانات المادية التي توفرت لحكومته ولم تتوفر لسابقاتها. فعلى خلاف تصريحات رئيس الحكومة حول تعميم التعليم والجهود المبذولة للرفع من جودته لم يجد بدّا أمام التقارير الدولية، من الاعتراف بتواضع النتائج “لقد أظهرت حصيلة منظومة التربية والتكوين ومخرجاتها أن المقاربات البيداغوجية الكلاسيكية لم تعط أكلها، إذ أن 78%من تلاميذ الابتدائي لا يفهمون التعلمات المدرسة ويشكون من صعوبات في القراءة والكتابة، حسب الدراسات الدولية ”تيمس وبيرلز“. “(البرنامج الانتخابي 2016).
رغم كل هذا الفشل، ناهض الحزب تدريس المواد العلمية باللغات الأجنبية وقدم وعودا بـ”بناء ريادة الجامعة المغربية في التكوين والإشعاع وإرساء أقطاب امتياز جامعية منسجمة مع المؤهلات الجهوية والاحتياجات التنموية لمحيطها والانفتاح على المنظمات الطلابية” وكذا “بناء ريادة الجامعة المغربية في البحث العلمي عبر اعتماد إستراتيجية واضحة للنهوض بالبحث العلمي”.
بعد خمس سنوات جاء بلاغ وزارة التعليم (ماي 2021) معلنا فشل البيجيدي في تحقيقه وعوده بعد أن احتلت جامعة محمد الخامس بالرباط المرتبة 946 على مستوى العالم ،وتلتها باقي الجامعات المغربية في المراتب المتأخرة: جامعة محمد الأول ( وجدة) بالترتيب 1028، وجامعة القاضي عياض (مراكش) بالترتيب 1034، وجامعة الحسن الثاني (الدار البيضاء المحمدية) بالترتيب 1075، وفق التصنيف السنوي، لسنة 2021-2022، لأفضل جامعات العالم الصادر عن “مركز تصنيف الجامعات العالمية”( Global 2000 List by the Center for World University Rankings). ويعتمد تصنيف CWUR على أربعة مؤشرات رئيسية، وهي:
• جودة البحث (40٪) ولا سيما إجمالي عدد المنشورات ، وعدد المنشورات في المجلات عالية الجودة ، وعدد المنشورات التي يُستشهد بها ،
• جودة التكوين مقاسة بعدد المتخرجين الحاصلين على جائزة التميز (25٪).
• عدد المتخرجين الذين يشغلون مناصب مهمة في الشركات الكبرى (25٪) ،
• عدد الأساتذة الحاصلين على درجات أكاديمية دولية (10٪).
هذا الترتيب المتأخر للجامعات المغربية تترجمه نسبة البطالة في صفوف حملة الشهادات العليا وفق المذكرة الإخبارية للمندوبية السامية للتخطيط حول وضعية سوق الشغل خلال الفصل الأول من سنة 2018، حيث إن ” معدل البطالة لا يمثل إلا %4 لدى الأشخاص غير الحاصلين على شهادة، فإنه يبلغ %14,5 لدى حاملي الشهادات ذات المستوى المتوسط، حيث يسجل %22,7 في صفوف حاملي شهادات التخصص المهني، ويصل %25,4 لدى حاملي الشهادات ذات المستوى العالي والذي يبلغ ضمن خريجي الكليات منهم %27,8″.
إن الترتيب المتأخر للجامعات المغربية هو نتيجة لتواضع الميزانية التي تخصصها الحكومة للبحث العلمي (حوالي 0.8% من الناتج الداخلي الخام) ؛ وهي ميزانية ضعيفة جدا بمعايير المنظمات الدولية مثل البنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة التي تعتبر أن النسبة المثالية هي التي تكون أكثر من 2 بالمائة، وتكون جيدة إذا كانت بين 1.6 بالمائة و 2 بالمائة.
ومن الطبيعي أن يحتل المغرب المرتبة 74 من أصل 129 دولة في مؤشر الابتكار العالمي، الصادر في تقرير المعرفة العربي الثالث لعام 2019.
يتبع …
المصدر : https://dinpresse.net/?p=15469