أحمد جاويد / کابل ـ أفغانستان
عقد وزير الخارجية الروسية “سرجي لاوروف” اجتماعًا التقى فيه برٶساء الإعلام الروسي للتباحث بشأن السياسة الخارجية للبلد. و خلال مشارکته الحاضرين معلومات جديدة بخصوص الأوضاع العالمية الراهنة، وجه الوزير الروسي انتقادات تحرشية لأمريکا. فقد صرح أن أمريکا کرست جهودها لإحداث تغييرات جذرية في کل بقاع الأرض، فتسببت بذلک في تعريضها لأزمات مأساوية.
وقد علق سرجي لاروف على خروج القوات الأمريکية من أفغانستان بعد عشرين عاما من الإحتلال قائلا إن المتحدين المحتلين لاذوا بالفرار تارکين خلفهم بلدا يهدده خطر الارهاب وتجارة المخدرات، و کل هذا تحت أنظار ورعاية أمريکا. کما أکد أن الجميع يدرک أن کبار المسوٴولين العسکريين في جيش الناطو قاموا بمهمة التعاون الکامل مع تجار المخدرات وساهموا في عملية تهريبها من أفغانستان إلى أوروبا لسنين عديدة.
سرجي لاروف الدبلوماسي الروسي رفيع المستوى، ومن العقول المخططة للإستراتيجية السياسة والإستعمارية لبوتين، يتهم الإدارة الأمريکية أنها خلال العشرين سنة الماضية لم تسع قط لإنشاء ولو محلة صناعية واحدة تساعد في تحسين الأحوال المعيشية للفقراء والمساکين في هذا البلد.
وتأتي هذه التصريحات المتکررة في مناسبات مختلفة من الوزير الروسي لإشعار المستضعفين في العالم بأن القيم الروسية توٴمن بالأمر بالمعروف و النهي عن المنکر ، و أن روسيا تدافع عن حقوقهم في کل مکان و زمان. وهذا غير مقبول و لا هو مشاهد على الواقع بل هو ادعاء باطل و تدجيل و مراوغة سياسية تتمشى مع الإستراتيجية الإحتلالية تحت مسميات مختلفة. وهو يناقض الحقائق التاريخية. و کما يقال الحرب خدعة.
وروسيا اليوم، تشعر بالمخاوف العميقة علی مستقبلها لما يجري في أفغانستان، و تقتل المساکين و الأبرياء أطفالا و نساء و شيوخا في أوکرانيا. تقتل و ترمل و تهجر و تطحن کل ما هو قاس، کما فعلت من قبل في حق الشعب التتاري الترکي سکان جمهورية القرم الأصليين. فقد أحسنت إليهم أيما إحسان فنفتهم جميعا من بلدهم و بلد أجدادهم وأجبرتهم علی نسيان أرضهم و وزعتهم على البلاد الأخرى . فما نسي الزمان و لا نسينا، لکنه التجاهل و الإستضعاف .
وهذه أفغانستان التي يتحدث عنها لاوروف، هل نسي لاوروف همجية بلده و ظلمه من قتل و تشريد و اعتقال و قصف بمختلف أنواع الأسلحة. و روسيا هي المسوٴول الأول عن الأزمة الأفغانية. و نسيت روسيا أن الأفغان يحيون کل عام ذکرى احتلالها لبلدهم و ذکرى هزيمتها و طردها منها.
و هذه الصحراء المغربية، و التي أنست روسيا معنى الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر . و لقد کادت روسيا للمغاربة الکيد العظيم و لولا فضل الله ثم السياسة السامية والراشدة لجلالة الملک الحسن الثاني رحمه الله رحمة واسعة لکان حال المغرب اليوم کحال أفغانستان حيث ظن الأعداء بغفلتهم أن الإمبراطورية المراکشية أصبحت لقمة سائغة و سهلة الهضم للکلاب الجائعة. و لکن هيهات ثم هيهات.
نسي الحمقى التاريخ ، و لن ينس الملک محمد السادس حفظه الله و لا المغاربة تاريخهم. و کيف يحدث ذلك وتاريخ المغرب و أصالته و صولته و عبقريته و صبره کل ذلک يجري في أبدان المغاربة مجری الدم .و لقد حان الوقت لکافة المغاربة أن يدرکوا هذه الحقيقة. فروسيا فکرت في انتزاع الحق من أصحابه کما فعلت في تاريخها الطويل، و فکرت فقط في بيع أسلحتها و توسعها. روسيا لم تفکر أبدا في عدالة أو انصاف الشعب المغربي.
و الصحراء مغربية رغم کيد الأعداء و رغم کيد روسيا. بل ان ما يقارب نصف الأراضي في الجزائر نفسها تعتبر مغربية أبا عن جد کمدن تندوف و بشار و وهران و غيرها. وو الله لقد عايشت بعض الجزائريين ليسوا فقط يشهدون على أنفسهم بأنهم مغاربة بل و يفتخرون بذلک و بالأخوة المغربية و بالروح المغربية لأنه هکذا هو المغرب في التاريخ . هذه هي الحقيقة بکل فخر : المغاربة مسيطرون على القلوب. فعلى المغاربة أن يدرکوا حجم المٶامرة التي تصدى لها جلالة الملک الحسن الثاني رحمه الله بشهامة و حسن تدبير، وورث هذه المسوٴولية التاريخية جلالة الملک محمد السادس أيده بالنصر الموٴزر حتی يوحد الأراضي المغربية کاملة.
ولقد کان للملک الراحل الملک الحسن الثاني رحمه الله و غفر له الفضل العظيم في نجاة الشعبين المغربي و الجزائري على سواء من طامة عظيمة کانت ستحل بالشعبين بفضل تدبره العميق و فهمه الشامل لمجری الأحداث . و على المغاربة کافة أن يکونوا مغاربة التاريخ و يقفوا جنبا الى جنب مع جلالة الملک محمد السادس حفظه الله لشعبه و جعله ذخرا لهذا الوطن الغالي، و أن يکونوا جميعا عونا له و يدا واحدة مع ملکهم على أعداءهم .
وللعلم فإن روسيا کانت لها أحلام و أطماع في السيطرة علی المغرب حتی يتسنی لها خنق أوروبا خنقا نهائيا من جهة الجنوب. واستعملت روسيا الجمهورية الجزائرية التي ستکون لقمة و بالطبع سهلة و ستقتل بعد ذلک الجنرالات و العملاء الأغبياء کما فعلت في أفغانستان. لکن روسيا الإمبراطورية تتعامل بحذر فائق و لا تتجرأ علی الصخرة الإمبراطورية التي أمامها ألا و هي المملکة المغربية الصابرة . فالمغرب يدافع عن نفسه و عن الجزائر و عن أوروبا من جهة الجنوب. ولقد ساهمت أزمة أوکرانيا بشکل واضح في التقليل من سرعة جريان الأحداث. سبحان الله، ألا يستحق هذا الوطن القوي الصبور و ملکه العظيم أن يشکروا و يمدحوا علی هذه الجهود الجبارة.
فلا نغتر بتصريحات سرجي لاوروف التي تتناقض في جزئياتها و يطعن أولها في آخرها. فليس الهدف منها إحقاق حق أو إبطال باطل، فهم علی باطل محض. إنما هي تمويه وتدليس سياسي لتغيير صورة حقيقة ما يجري في أوکرانيا تجاه شعب يطالب باستقلاله و حريته و تخلصه من الهيمنة الروسية الاستعمارية الإستبدادية .
هذه التصريحات انما تدخل ضمن الصراع القائم بين روسيا و أمريکا في أوکرانيا و غيرها، و ليس الهدف منها، و للأسف ، الدفاع عن حقوق المظلومين .ففي الوقت الذي تتبنى فيه أمريکا الدفاع عن أوکرانيا کبلد ذي سيادة انتهکت حقوقه بصورة وحشية بشعة، و تدعمه لاستمرار المقاومة ، بالمال و الأسلحة و الجنود حتى نيل استقلاله، نجد روسيا تدافع عن المظلومين لا في أوکرانيا و لکن في أفغانستان. ولما کانت أمريکا تدعم الأفغان لتحرير بلدهم من الاحتلال الروسي کانت روسيا تذکر انتهاک أمريکا لحقوق الشعب الفيتنامي. وهکذا يستمر سيناريو قتل البشر تحت شعار الدفاع عن حقوق البشر لاشباع غريزة التوسع الشيطانية على حىساب المستضعفين.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=19369