هل يعيد القانون الكندي رسم العلاقة بين الدولة والدين؟
دين بريس ـ سعيد الزياني
أثار التعديل الأخير المقترح على قانون خطاب الكراهية في كندا موجة واسعة من الجدل السياسي والديني والقانوني، بعدما اتجهت الحكومة الليبرالية، بقيادة مارك كارني، إلى حذف الاستثناء الذي كان يحمي الأقوال الصادرة “بحسن نية” والمستندة إلى نصوص دينية من التجريم الجنائي.
وهكذا وبموجب الصيغة الحالية للقانون الجنائي الكندي، يعاقب على “الترويج المتعمد للكراهية” بعقوبة قد تصل إلى السجن لمدة عامين، غير أن القانون كان يقر صراحة بأن المتابعة لا تنطبق على التصريحات القائمة على معتقد ديني نابع من نص مقدس، ما دام لم يكن القصد منها التحريض أو الإيذاء.
ويزيل التعديل الجديد، المدرج ضمن تعديل على “قانون مكافحة الكراهية” والمتوافق عليه بين الحكومة الليبرالية وحزب الكتلة الكيبيكية، يزيل هذا الاستثناء كليا، بما يعني أن الاستناد إلى الكتاب المقدس أو القرآن أو التوراة لم يعد، في حد ذاته، حماية قانونية.
ويُقدَّم هذا التوجه من قبل الحكومة على أنه خطوة ضرورية لإغلاق ما تعتبره “ثغرة” استُغلت في قضايا سابقة، أبرزها واقعة الإمام المتشدد في مونتريال، عادل شرقاوي، الذي دعا سنة 2023 إلى قتل “المعتدين الصهاينة”، قبل أن يؤكد أن تصريحاته جاءت في سياق دعاء ديني.
وقد انتهت النيابة العامة في كيبيك حينها إلى عدم وجود أساس جنائي للمتابعة، استنادا إلى الاستثناء المتعلق بالنصوص الدينية، ومنذ تلك اللحظة، ضغط حزب الكتلة الكيبيكية بقوة لإلغاء هذا الدفاع القانوني، معتبرا أن الدين لا ينبغي أن يكون مظلة لخطاب قد يُفهم على أنه دعوة إلى العنف أو الكراهية.
ويطرح الانتقال من هذه الواقعة المحددة إلى تعديل شامل في فلسفة القانون إشكاليات أعمق بكثير، فحذف الاستثناء لا يطال فقط حالات قصوى، بل يعيد تعريف موقع النصوص الدينية داخل النظام القانوني، ويجعلها خاضعة لتقدير النيابة العامة والمحاكم وفق معايير متغيرة لخطاب الكراهية.
ويعني هذا التحول أن اللغة المعيارية التي تتضمنها الكتب المقدسة، والتي تتناول قضايا الأخلاق والأسرة والهوية، قد تصبح محلا للتجريم إذا اعتُبرت متعارضة مع القيم السائدة أو التشريعات الحديثة.
ويظهر القلق الذي عبرت عنه الكنيسة الكاثوليكية، من خلال رسالة رسمية لمؤتمر الأساقفة إلى رئيس الحكومة، هذا التخوف بوضوح، فالأساقفة اعتبروا أن الاستثناء الديني لم يكن ثغرة بقدر ما كان “ضمانة أساسية” تمنع ملاحقة المؤمنين بسبب تعبيرهم الصادق عن معتقداتهم المتجذرة في تقاليد طويلة الأمد.
الموقف ذاته عبرت عنه منظمات حقوقية، وشخصيات مسلمة ويهودية، رأت أن المسألة لا تخص دينا بعينه، بل تمس جوهر حرية الضمير للجميع، مؤمنين وغير مؤمنين.
وزادت التصريحات الصادرة عن وزير الهوية والثقافة الكندي، مارك ميلر، من حدة الجدل، حين قال أمام لجنة برلمانية إن الكتاب المقدس يتضمن “كراهية واضحة، على سبيل المثال، تجاه المثليين”، معتبرا أن الادعاء الديني لا ينبغي أن يمنع النيابة من تحريك المتابعة.
وكشف هذا الموقف أن النقاش لم يعد يدور فقط حول التحريض على العنف، بل حول المضمون الأخلاقي للنصوص ذاتها، ومن يملك سلطة الحكم عليها.
ووجدت المعارضة المحافظة، سياسيا، في هذا الملف فرصة لتكثيف خطابها حول تآكل الحريات، إذ اعتبر زعيمها بيير بواليفر أن الليبراليين يسعون إلى “رقابة النصوص الدينية وملاحقة المؤمنين”، محذرا من أن التعديل قد يؤدي عمليا إلى تجريم فقرات من الكتاب المقدس والقرآن والتوراة.
ويبرز هذا التوتر انقساما أعمق داخل المجتمع الكندي حول حدود التسامح، ودور الدولة في حماية الفئات المستهدفة دون التحول إلى وصي أخلاقي.
وربما يتجاوز الجدل الكندي مسألة تقنية في قانون جنائي، ليصل إلى سؤال جوهري حول طبيعة الدولة الليبرالية نفسها: هل تكتفي بتنظيم الفعل العام ومنع العنف الصريح، أم تتوسع لتشمل ضبط المعنى والمعتقد؟
إن محاربة الكراهية هدف مشروع وضروري، لكن الطريق المختار قد يفتح بابا لصدام دائم بين القانون والمقدس، ويضع التعددية الكندية أمام اختبار بالغ الحساسية، تكون فيه الكلفة المحتملة هي تآكل الهامش الذي سمح تاريخيا بتعايش الاختلافات الدينية والفكرية داخل إطار قانوني واحد.
التعليقات