عبد الحي محمد السملالي
باحث مغربي وأستاذ جامعي. فرنسا
هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يجد لغة تتجاوز حدود التخصصات لتصل إلى جوهر عالمي للظواهر يتجاوز المعرفة البشرية المجزأة إلى عدة نظريات، ويسمح بالعمل، في إطار واحد، بالهياكل المستمرة والمنفصلة، للوصول الى رؤية شاملة للواقع وفهم الكون ككل متماسك؟
بداية، يجب التذكير بمن يعود له سيق التوصل إلى جوهر عالمي من هذا النوع في إطار عام للرياضيات، والحديث عن عالم الرياضيات ألكسندر غروتينديك [Alexandre Grothendiec] عندما أدخل ما يسمى بالطوبوس ” Topos ” كطريقة لتشكيل وتوحيد الهياكل المفاهيمية المختلفة. لقد تخيل جسرًا فكريًا يربط بين عوالم نظرية تبدو، في الظاهر، متباعدة ويسمح الجسر اياه بتبادل الأفكار بين هذه العوالم وكشف أوجه التشابه العميقة بينها، فالطوبوس (Topos) في نظريات غروتينديك هو مفهوم رياضي يجمع بين نظرية الفئات والهندسة الجبرية، ويُستخدم كإطار موحد لدراسة الهياكل الرياضية المختلفة. يمكن اعتباره تعميماً لفكرة الفضاء الطوبولوجي، لكنه أكثر تجريدًا، حيث يوفر طريقة لفهم المنطق الرياضي والهندسة من منظور الفئات ويمتد استخدام الطوبوسات، عند غروتينديك لفهم نظرية الحزم (Sheaf Theory) والتمايز بين الفضاءات الجبرية والطوبولوجية. كما أنها تلعب دورًا أساسيًا في نظرية التماثل (Homotopy Theory) ونظرية التمايز (Cohomology Theory)، مما يجعلها أداة قوية في الرياضيات الحديثة.
من منظور فلسفي، يمكن فهم الطوبوس على أنه إطار مجرد ينظم ويربط المفاهيم، تمامًا كما تشكل القواعد اللغوية لغة معينة، أو كما تسلط نظرية المعرفة الضوء على مختلف نظريات الفهم. يوفر الطوبوس وسيلة لاستكشاف العلاقات بين الأنظمة الفكرية، مما يسمح بنقل النتائج والبصائر من مجال إلى آخر، مما يسهل فهماً أكثر شمولاً وتكاملاً للبنى المنطقية الأساسية. ومن تم السؤال: هل من تعميم للطوبوس يمكننا من التنقل من مجال للمعرفة إلى مجال آخر يستوي فيه ما هو علوم انسانية وفلسفة وما هو علوم بحتة مجردة لا تهتم إلا بالنظري؟
هناك ملاحظتان اساسيتان تتعلقان بالبحث العلمي حول الطوبوس وحول ماهيته:
تتعلق الأولى بكتاب جيل دولوز “ما هي الفلسفة؟” الذي كتبه عام 1991، أي بعد عقود من تقديم غروثنديك لمفهوم “الطوبوس” في الستينيات، وكان بإمكانه أن يدمج أو على الأقل يذكر هذا المفهوم الثوري. إدراجه كان سيُثري تأملاته حول ابتكار المفاهيم، وهو جوهر كتابه، غياب “الطوبوس” في عمله يعكس ربما مسافة بين الرياضيات الحديثة والفلسفة كما تصورها دولوز، أوقد يكون ببساطة اختيارا واعيا للتركيز على جوانب أخرى من الفكر المفاهيمي. نتساءل هل يفتح ذلك باب التساؤل حول حدود التداخل بين التخصصات داخل الفلسفة؟
أما الملاحظة الثانية، فتتعلق بوجود دراسة وحيدة معمقة حول الطوبوس خارج مجال الرياضيات، أجراها آلان كونيس (Alain Connes) وباتريك غوتييه-لافاي (Patrick Gauthier-Lafaye) في عملهما “في ظل غروتينديك ولاكان” ( “À l’ombre de Grothendieck et de Lacan”).
تستكشف هذه الدراسة الفريدة التقاطع بين الرياضيات وعلم النفس التحليلي، مستندة إلى نظرية الفئات التي طورها ألكسندر غروثنديك والهياكل اللاواعية كما حددها جاك لاكان.
انطلاقا من منظور متعدد التخصصات، يستخدم آلان كونيس أفكار الطوبوس الرياضية لتوضيح بعض جوانب الهياكل اللاواعية التي وصفها لاكان، مثل مفاهيم “اللذة” والازدواجية بين الرمزي والواقعي. هذا النهج الجريء والمبتكر يجمع بين تخصصات تبدو متناقضة لفتح آفاق جديدة للتأمل والبحث.
*****************************
الصورة لعالم الرياضيات ألكسندر غروتينديك