محمد زاوي
#ملتقى_النظر
على هامش قراءتنا النقدية في كتاب “أوثان السلفية التاريخية” للدكتور عبد الخالق؛ ارتأينا التعليق على مروره ببرنامج “بدون لغة خشب” على إذاعة “ميد راديو”، أول أمس الجمعة. وباستثناء ما ذكره د. كلاب من تحليلات وتفاسير ستأتي مناقشتها في مقالات قادمة، فإن أبرز ما ظهر واتضح خلال هذا المرور هو “الإيديولوجيا المشرقية” التي تُعتبَر شخصية د. كلاب امتدادا لها.
لا يريد د. كلاب أن ينتسب إلى الشرق إلا أنه يعتبر تجربته الروحية تجربة كونية، يدافع عن أمازيغية المغاربة لكنه يقرأ القرآن ويخشع لقراءته، ينقب في الشواهد واللقى ولا يمنعه ذلك من الافتخار باختراق “ظواهر الغيب” على طريقة ابن حنبل وابن تيمية، يستشرف المستقبل بالجيوبوليتيك قبل أن يؤيد استشرافه بالنظر في “لوح الأقدار”، الخ. أليس هذا من التناقض الذهني الذي يبعث على تفسيرين:
-عدم وعي د. كلاب بحقيقة الامتداد المشرقي ومكوناته السيكولوجية والثقافية والإيديولوجية؛ وهذا واضح عندما ينسب د. كلاب “ثقافة المشرق” إلى تجربة العالم والإنسان ككل.
-تناقض د. كلاب بين منطقين؛ منطق يتشبث بطموح ذهني فردي خاص، ومنطق خفي لا يعيه وهو الذي يجعله في خدمة حدود علاقة دولة المغرب بالمشرق بخطابه “النقيض” نفسه. يردد كلاما “نقيضا للمشرق” في خدمة سلطة ذات أصول مشرقية (إيديولوجية التأسيس مشرقية) وعمل مشرقي (الإسلام والكتابة العربية) وحفظ للعلاقة بالمشرق (سياسة الدولة إلى اليوم).
الحقيقة ليست ما يقوله الفاعل عن نفسه بالضرورة؛ لأن الحقيقة الموضوعية تتجاوزه، ولا يبلغها إلا بوعيها وانسجامه مع واقعها الملموس والتاريخي. وإن أول شرط في “نظرية التاريخ” هو الوعي بضرورته، وهي تلك الضرورة التي تحدّ طموح الأفراد. أما قراءة روايات التاريخ بوعي ما قبل نظري (ما قبل جدلي)، فتخضع الرواية المكتوبة إلى “إيديولوجية القارئ المثالية”. وفضلا عن أن “التأريخ بالرواية” -بتعبير عبد الله العروي في “مفهوم التاريخ”-وحده لا يكفي للوقوف بدقة على أسس التأسيس المشرقية (وأبرزها لغة إدارة الدولة/ كشفها يحتاج إلى شواهد غير شاهدة الرواية)، فإن إخضاع الرواية لغرض إيديولوجي يجعل “الإيديولوجيا مضعَّفة” -بتعبير العروي نفسه في “مفهوم الدولة”-: إيديولوجيا ناتجة عن ثغرة في التأريخ، وأخرى ناتجة عن قصور نظري في القراءة.
(يتبع)