دين بريس
عرفت مدينة مكناس، أمس الخميس، تنظيم ندوة فكرية ضمن فعاليات “ملتقى مكناس الدولي الأول للتصوف”، خصصت لمناقشة العلاقة التاريخية والمؤسساتية بين القضاء والتصوف في سياق المرجعية الدينية لإمارة المؤمنين.
وشارك في هذا اللقاء ثلة من القضاة والباحثين والمهتمين بالشأنين القانوني والروحي، الذين أبرزوا الأبعاد التكاملية بين المجالين، واستعرضوا نماذج تاريخية ومعاصرة تعكس هذا التداخل.
واعتبر المتدخلون أن التصوف المغربي لم يكن مجرد ممارسة روحية، بل شكّل على مر العصور مشروعا حضاريا ساهم في بناء منظومة قيمية أصيلة، انسجمت مع وظائف القضاء ومقاصده في ترسيخ العدل وصيانة الحقوق، تحت مظلة إمارة المؤمنين.
وأكدوا أن هذا التكامل بين التصوف والقضاء يجد سنده في المرجعية الدينية للمملكة، المبنية على المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني، والتي تُشكل ركائز ثابتة في حفظ الأمن الروحي والاجتماعي.
وشدد المشاركون على أن القضاء لا يكتفي بتطبيق القوانين، بل يضطلع بوظيفة روحية وأخلاقية، تعززها مبادئ التصوف في التزكية والرحمة والإصلاح بين الناس، مما يمنح القاضي موقعا فريدا بوصفه نائبا عن أمير المؤمنين في ترسيخ المرجعية وضمان تماسك الأمة.
كما تناولت الندوة تجارب مضيئة لرجال قضاء مرّوا من مدينة مكناس، ساهموا في ترسيخ هذه القيم من خلال التزامهم بالعدل واستلهامهم للتصوف في سلوكهم المهني، حيث برزت شخصيات علمية وقضائية تركت بصمتها في الذاكرة القانونية والروحية للمدينة.
ودعا بعض المتدخلين إلى تعزيز البحث العلمي في موضوع التصوف والقضاء، واقترحوا إنجاز موسوعة حول طبقات القضاة المغاربة، بما يعزز فهم هذا التداخل ويُبرز إسهامات رجالات القضاء في حماية الثوابت الدينية.
ويأتي تنظيم هذه الندوة بمبادرة من عدد من المؤسسات الأكاديمية والدينية والقضائية، تأكيدا على أهمية التفاعل بين الحقل الصوفي والمؤسسات القضائية والعلمية، في إطار سعي مغربي متواصل لبناء نموذج يوازن بين الأصالة والتجديد، ويستند إلى مرجعية موحدة قوامها إمارة المؤمنين.
يشار إلى أن هذه الندوة نظمت المنظمة بمبادرة من الودادية الحسنية للقضاة ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجلس العلمي الأعلى وجامعة مولاي إسماعيل بمكناس، على هامش فعاليات “مهرجان عيساوة مقامات وإيقاعات عالمية”.