ملاحظات أولية حول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

10 أكتوبر 2025

محمد الحداد. باحث تونسي 

يبدو لي أن هذا الاتفاق حصل أساسًا بفضل ضغط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ودافعه فيه رغبة الحصول على جائزة نوبل للسلام. لذلك أخشى أن ينهار هذا الاتفاق بعد تحرير الرهائن الإسرائيليين وحسم اسم صاحب الجائزة.

لكن إذا افترضنا استمرار هذا الاتفاق — وهذا ما أتمناه — فيمكن تقييم الوضع كما يلي:

أولًا: المنتصر الأول هو الرئيس الأمريكي ترامب، الذي يكون قد رسّخ عقيدة “إحلال السلام بالقُوّة” وجعلها المبدأ الموجّه لكل سياسته الخارجية، بل الداخلية أيضًا، كما نرى من خلال نشر الجيش في بعض المدن الأمريكية.

ثانيًا: المنتصر الثاني هو الدبلوماسية المصرية–الخليجية–التركية التي نسّقت فيما بينها لمنع تهجير الفلسطينيين وترك الفرصة لإعادة إعمار القطاع، وإبقاء خيار إعلان الدولة الفلسطينية كحل ممكن على أمد متوسط. وحتى الموقف من حماس حصل حوله تقارب، إذ ستبقى ضعيفة دون التخلص منها نهائيًا، لتشكل ورقة ضغط وأداة ممكنة لضبط الأوضاع في غزة.

ثالثًا: حماس أطلقت عملية 7 أكتوبر ظنًا منها أن نتنياهو لن يردّ بالحرب، وأنه سيفاوض لإطلاق الرهائن، وظنّت أنها ستستطيع بذلك تحقيق مطالبها بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين ورفع الحصار عن غزة. وقد أخطأت تمامًا في تقديرها وتسبّبت بكارثة في القطاع: عشرات الآلاف من القتلى وتدمير شبه كامل للمباني والبنية التحتية. لكن من جهة أخرى، خاضت حماس — وهي في النهاية تنظيم عسكري محدود العدد والعدة — أطول حرب ضد إسرائيل، تواصلت سنتين بينما لم تتواصل الحروب في السابق أكثر من بضعة أيام، وألحقت بإسرائيل أضرارًا غير مسبوقة في التاريخ، بما فيها الكلفة المالية الباهظة للحرب وتراجع الثقة والتعاطف مع الكيان الصهيوني لدى شعوب كثيرة، وتحولت القضية الفلسطينية إلى قضية مركزية بعد أن كادت تُدفن نتيجة مسارات التطبيع.

رابعًا: نتنياهو ومن سانده في إسرائيل وفي الصهيونية العالمية هم أكبر الخاسرين، فقد فشلوا في تحقيق أهدافهم الأساسية، وهي القضاء لا على حماس فقط بل على القضية الفلسطينية برمتها، واستعادة الرهائن بالحرب لا بالمفاوضة، وتهجير الفلسطينيين إلى مصر، وإقناع العالم أن هذه الحرب حرب ضد الإرهاب. والرأي العام الغربي تغير تغييرا كبيرا وضغط على حكوماته لتخفّف من مساندة إسرائيل، وفي الأيام المقبلة سيسمح للصحفيين الغربيين بالدخول إلى غزة وسيكتشفون بأنفسهم حجم الإبادة، وهذا سيزيد الضغط على إسرائيل ومناصريها.

خامسًا: السلطة الفلسطينية خسرت شرعيتها المهترئة من الأصل، ولم يتم إشراكها في محادثات اتفاق وقف النار، ولا يُعتزم إسناد دور لها في المسار، وإن لم يكن ذلك يعني بالضرورة التخلص منها لأنها تظل ورقة يمكن استعمالها في الوقت المناسب.

سادسًا: الفلسطينيون في غزة رسموا مرة أخرى ملحمة نضالية تاريخية. لم تكن لهم مسؤولية في أحداث 7 أكتوبر، ومع ذلك استُهدفوا وقتِل منهم المدنيون والأطفال في عملية إبادة جماعية. وحاولت وسائل الإعلام العالمية تصويرهم أمام العالم كإرهابيين، لكنهم أبهَروا العالم بصمودهم وتمسّكهم بأرضهم.

سابعًا: في المحاضرة التي ألقَيتها سنة 2023 في السفارة الفلسطينية بتونس بمناسبة ذكرى وعد بلفور، دافعت عن تغيير كامل للاستراتيجية والخط النضالي الفلسطينيين ليتجه نحو الالتحام بالمجتمعات المدنية المناضلة في العالم كله ضد الهيمنة والعولمة المتوحشة. أعتقد أن أولى أولويات الفلسطينيين اليوم هي الاستفادة من هذا الزخم العالمي للتعاطف مع القضية لترسيخ واقع الإبادة في غزة كما رسّخ اليهود سابقًا وقائع الإبادة بحقّهم. وإذا لم يحدث هذا سريعًا فقد يُنسى ما حصل في السنتين الأخيرتين ويصبح دون جدوى. وأول خطوة في هذا الاتجاه هي استقالة محمود عباس وتسليم الرئاسة الفلسطينية لشخصية كاريزمية تستطيع مخاطبة العالم بلغته وفهم متغيراته.

توكل كرمان.. من جائزة نوبل إلى خطاب الفتنة

عمر العمري تقدم توكل كرمان نفسها، منذ حصولها على جائزة نوبل للسلام سنة 2011، بوصفها رمزا عالميا للحرية وحقوق الإنسان، إلا أن مسارها الإعلامي والسياسي اللاحق سرعان ما كشف عن تناقض صارخ بين الشعارات والممارسة. فبدل أن تكون صوتا للحوار والسلام، تحولت إلى منبر للتحريض والتجريح، مستخدمة المنصات الرقمية لنشر خطاب عدائي يستهدف المغرب ومؤسساته […]

استطلاع رأي

هل أعجبك التصميم الجديد للموقع ؟

Loading...