منتصر حمادة
هذه ملاحظات نزعم أن بعضها يندرج ضمن باب المفارقات، من وحي النقاش الذي أثير مؤخرا في الساحة المغربية، على هامش تصريح أدلى به أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، في سياق جواب له في جلسة الأسئلة الشفهية الأسبوعية بمجلس النواب.
ومما جاء في التصريح: “في الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب، كان عندي لقاء مع وزير الداخلية، لم يُعلن عنه في الإعلام وتناقشنا حول مجموعة من الأمور”… “هم مقتنعون بأن الإسلام المغربي المعتدل [يقصد التدين الإسلامي المغربي المعتدل] في صالح الجميع؛ ولكنهم في سياق داخلي معقد”. وقد “قال لي [وزير الداخلية الفرنسي]: العلمانية تصدمكم، فقلت له: لا، فتساءل: كيف أقول لا؟ فقلت له: لأننا علمانيون”.
هذه الجملة بالذات، كانت وراء اندلاع هذه الضجة أو النقاش، وهذا أمر محمود في نهاية المطاف، وطبيعي جدا أن نعاين مثل هذه الضجات، في سياق إثارة مثل هذه القضايا التي تهم ثنائية الدين والسياسة، هنا في محور طنجة-جاكرتا أو الوطن العربي أو الساحة المغربية على الخصوص، بحكم خصوصية تدبير الدولة المغربية لهذه الثنائية مقارنة مع تدبير باقي دول المنطقة، أي الخصوصية التي تتميز بوجود مؤسسة إمارة المؤمنين، الساهرة على صيانة الدولة والدين، بمقتضى العرف والدستور والتاريخ.
ما هو غير طبيعي ومثير في آن، هو الذي يقف وراء تحرير هذه الملاحظات، وما أكثرها.
لذلك سوف نقتصر على واحدة منها على الأقل في هذه المقالة، على أمل العودة لمفارقات أخرى.
مفارقة المقاربات الاختزالية
نتحدث هنا عن هذا الكم الكبير من المقالات التي تطرقت لمفهوم العلمانية، انطلاقا من رؤى اختزالية، وغالبا لاعتبارات إيديولوجية، بصرف النظر عن مرجعية هذه الأخيرة، وإن كانت الغلبة للإيديولوجيات الدينية، من سلفية وهابية وإخوان مسلمين، بما في ذلك مرجعية أسماء إعلامية وبحثية كانت تنهل من الإيديولوجيات نفسها، قبل الانفصال عنها. لكن اتضح مرة أخرى، وكما عاينا في عدة محطات، أن تأثير النهل الإيديولوجي لا يزال حاضرا في ما يصدر عن هذه الأسماء.
يتحدثون عن الحداثة باعتبارها حداثات، بل منهم من يتحدث عن “الحداثة الإسلامية” أو “أسلمة الحداثة” (كما هو الحال مع بعض المتأثرين بخطاب عبد السلام ياسين وطه عبد الرحمن)، ويتحدثون عن السلفية باعتبارها سلفيات (تطرقنا لهذه الجزئية في كتاب “الوهابية في المغرب”، الصادر عن دار توبقال، 2012). لكنهم في معرض الحديث عن العلمانية، لا يحتمل الأمر احترام تلك التعددية في نماذجها، كأننا إزاء نموذج واحد من الممارسة العلمانية، وهذا اعتقاد فاسد في المنطق الاختزالي عند هؤلاء.
والحال أن معاينة أو متابعة أنماط تدبير علاقة بعض الدول الأوروبية المجاورة للثنائية أعلاه، أي ثنائية الدين والسياسة، يتضح للجميع، كما هو معلوم، أن العلمانية الإسبانية ليست العلمانية الهولندية، ولا بالأحرى العلمانية الفرنسية، بل إن هذه الأخيرة يُصطلح عليها هناك باللائكية أساساً.
هذا دون الحديث عن وجود أسماء بحثية مرجعية، مغربية وعربية وأوروبية، سبق لها أن اشتغلت على الموضوع.
وبالرغم من هذا التراكم الكمي والنوعي في ما صدر من أعمال بحثية حول الموضوع، من قبيل العمل المرجعي الذي ألّفه عادل ظاهر تحت عنوان “الأسس الفلسفية للعلمانية” أو كتاب “روح الدين” لطه عبد الرحمن (تناول الموضوع من مرجعية صوفية، أو ما اصطلح عليها بالمرجعية الائتمانية، وهي خطاب متداول في التراث الإسلامي الصوفي)، فالأحرى ذكر لائحة عريضة من الأعمال الصادرة في المجالين الأمريكي والأوروبي، وبعضها، للتذكير، صدرت ترجمات له بالعربية عن بعض المراكز البحثية، وخاصة المراكز البحثية السعودية، من قبيل مركز نماء أو الشبكة العربية للدراسات والأبحاث، ضمن إصدارات أخرى.
وبالرغم من كل هذا التراكم النظري، عاين المتتبع لتلك الضجة كما كبيرا من الاختزال في قراءة واستحضار سؤال/ مفهوم العلمانية.
والأدهى، أن يتقاطع هذا الاختزال مع الحديث عن خصوصية مغربية في تدبير علاقة الدين بالسياسة، وهذه مقدمة تتطلب التطرق إلى الملاحظة أو المفارقة الموالية، بحول الله.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=22265