26 يوليو 2025 / 13:28

معضلة اليسار العربي: في العودة إلى ميشيل فوكو وأزمة اليسار

حيلي محمد. باحث مغربي

لأستعرض باختصار أزمات اليسار في بلداننا سآخذ بنموذج الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو الذي هو قدوة عند اليساريين. كل من يريد فهم السلطة لا بد له من العودة إلى أدبيات ميشيل فوكو الذي جعلها موضوعه الكبير طيلة سنوات حياته، ويعود هذا إلى أنه من المثليين الجنسيين الذي تشكل له السلطة مشكلة تقيد له حريته الجنسانية، لهذا كل كتاباته تصب في نقد السلطة والأماكن التي تحيط بها مثل السجون ومؤسسات الدولة. وليس مستغربا أن الأماكن التي ناقشها ضمن مؤسسات الدولة هي التي يجد المثليون الجنسيون مشاكل معها.
تسبب فوكو في رفضه للسلطة في فتح باب النسبية والحرية المطلقة التي ستكون كتاباته قدوة لليساريين من الشباب من جميع الطبقات والجنسيات وفرحة الرأسماليين النيوليبراليين الذين يرفض نموذجهم الاقتصادي سلطة الدولة على الاقتصاد والمجتمع. ما سيحدث في تلك السنوات من اواخر القرن الماضي أن الممارسة الجنسية ستصبح سائلة بسبب الحرية المطلقة التي سيعيشها محبوا المتعة الجنسية وستؤدي إلى ظهور مرض الإيدز الذي سيكون ضحيته ميشيل فوكو.
نقد السلطة في رفضها يعني رفض النظام والتربية والطبيعة والبيولوجيا والمؤسسات والحكومة والدولة والأبوة والأمومة والطفولة والموضوعية والحقيقة والتنوع والحياة والصحة والعلم نفسه. بمعنى سيصبح التوازن والنظام مرفوضا بصفة نهائية وهو الذي جلبه فكر ميشيل فوكو في نزعته المابعد حداثية اليسارية التي ستسبب أزمات أخلاقية وسياسية واقتصادية واجتماعية من ظواهرها الشهيرة قتل الأبناء لآبائهم، واعتداء التلاميذ على أساتذتهم، واحتقار رجال الأمن والإدارة، والسخرية من العلماء، وزعزعة الأمن والاستقرار وسيادة الدولة …إلخ.
ثورة ميشيل فوكو في رفض السلطة وإن غير قناعاته في آخر فترة من حياته كانت هي التي دفعت إلى تأسيس تجارة الإباحية، والترويج للسلاح، وسطوع نظام التفاهة والتطرف، والبيدوفيليا، وزنى المحارم، وارتفاع التحرش، وخروج ظاهرة القتلة المتسلسلين والسوق السوداء للاتجار بالبشر، والتحول الجنسي الذي سيأتي بظاهرة الكلاب البشرية والأجساد العارية وغيرها من الظواهر السلبية في الحداثة السائلة التي ستكون السبب في ردة فعل التيارات اليمينية المتطرفة التي ستصعد إلى السياسة بقوة.
هذا الرفض للسلطة بشكل مطلق والمروج للنسبية والحرية المطلقة هو الذي سيجعل مجتمعاتنا تجد مشاكل مع اليساريين في رفضهم للتوازن والاستقرار والنظام والأمن، وانبطاحهم مع الأيديولوجيات التي تعيش على الفوضى والعواطف الزائفة وترفض السلام لأن كل هذه الأشياء الجميلة في ضبط إيقاع التوازن كما هو معروف تحتاج إلى سلطة.
باختصار حالة اليساريين في بلداننا هو شبيه بحالة ميشيل فوكو سيتسبب فكره في قتله في الأخير.