دين بريس
شهد معرض القاهرة الدولي للكتاب لعام 2025 ندوة فكرية بارزة ناقشت كتاب “الفرقة الناجية.. وهم الاصطفاء: مدخل إلى تفكيك أوهام تصارع المفاهيم”، لمؤلفه “الدكتور محمد بشاري”، الأمين العام للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة.
وعقدت الندوة يوم الاثنين، الموافق 27 يناير، بحضور نخبة من العلماء والمفكرين، من بينهم الدكتور “علي جمعة”، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، و”الدكتور عبد الله مبروك النجار”، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف.
وأكد الدكتور علي جمعة” خلال مداخلته أن الإسلام دين يدعو للوحدة ونبذ الفرقة، مشددا على أن التعامل مع حديث “افتراق الأمة” يتطلب “منهجية علمية دقيقة” تحول دون استغلاله في تقسيم المسلمين وإقصاء المخالفين.
وأوضح أن الحديث تم توظيفه تاريخيا لترسيخ النزاعات الفكرية والمذهبية، ما يتنافى مع مقاصد الإسلام التي تقوم على التراحم والتعايش، كما أشاد بجهود “الدكتور بشاري” في تقديم قراءة نقدية لهذا المفهوم، معتبرا أن الكتاب يمثل “خطوة جريئة نحو تفكيك أحد أكثر المفاهيم إشكالية في الفكر الإسلامي”.
ومن جانبه، شدد الدكتور “عبد الله مبروك النجار” على أهمية مراجعة التراث الإسلامي بنظرة نقدية تتماشى مع مقاصد الشريعة، مشيرا إلى أن بعض النصوص تم استغلالها في سياقات خاطئة “لتبرير التكفير والإقصاء”، مما ساهم في إضعاف وحدة الأمة.
وأوضح أن حديث “الفرقة الناجية” كان أحد النصوص التي تم توظيفها لترسيخ “النزعات الإقصائية”، داعيا إلى تصحيح الفهم المغلوط لهذا الحديث وتعزيز “خطاب ديني وسطي” يقوم على جمع كلمة المسلمين بدلا من تأجيج الخلافات بينهم.
وفي مداخلته، استعرض الدكتور “محمد بشاري” أبرز محاور كتابه، موضحا أن مفهوم “الفرقة الناجية” تعرض عبر التاريخ لإضافات وتفسيرات جعلته “أداة للتفرقة” بدلا من “وسيلة لفهم التنوع داخل الأمة”.
وأكد أن الحديث تضمن إدراجات تفسيرية مثل “كلها في النار إلا واحدة”، والتي ساهمت في توظيفه “لخدمة أيديولوجيات متطرفة” تتناقض مع “قيم الإسلام في التسامح والشمولية”. وشدد على أن الإسلام دين يسع الجميع، وأن النجاة لا ترتبط بجماعة أو مذهب معين، بل تتعلق بالعمل الصالح والالتزام بتعاليم الإسلام السمحة.
واتفق المشاركون في الندوة على أن حديث “افتراق الأمة” يواجه عدة “مؤاخذات تتعلق بسنده ومتنِه”، حيث أشار علماء مثل “ابن حزم والشوكاني” إلى أن الحديث يعاني من ضعف في السند واضطراب في المتن، مع وجود إدراجات تفسيرية أضافها بعض الرواة. كما تم استخدام الحديث عبر التاريخ من قبل جماعات متطرفة لتبرير التكفير والإقصاء، مما أدى إلى زعزعة الأمن الفكري والروحي للأمة الإسلامية، إضافة إلى ذلك، فإن توظيف الحديث لتقسيم الأمة يتعارض مع النصوص القرآنية التي تدعو للوحدة، مثل قوله تعالى: “واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا” (آل عمران: 103).
وخرجت الندوة بعدة توصيات، ركزت على ضرورة فهم النصوص الدينية في سياق يعزز وحدة الأمة، بعيدا عن التفسيرات التي تُستخدم لتغذية الانقسامات، كما دعا المشاركون إلى مراجعة المفاهيم المغلوطة في التراث الإسلامي وتصحيح الاستخدام الخاطئ لبعض النصوص.
وأكدوا على أهمية مواجهة الفكر التكفيري وتعزيز خطاب ديني وسطي يقوم على الرحمة والتسامح، كما شددوا على ضرورة إحياء مقاصد الشريعة الإسلامية من خلال قراءة النصوص في إطارها الكلي، الذي يسعى إلى تحقيق العدل والتراحم، إضافة إلى ذلك، أكد العلماء على أهمية تعزيز ثقافة التعايش بين المسلمين بمختلف طوائفهم، والعمل على نبذ الفكر الإقصائي، الذي يتسبب في تفكيك المجتمعات.
اختُتمت الندوة بتوقيع الدكتور محمد بشاري نسخا من كتابه، وسط تفاعل كبير من الحضور، الذين أشادوا بجهوده في تفكيك الأسس الفكرية للانقسامات الدينية، كما أكد المشاركون أن الكتاب يمثل دعوة صادقة لتعزيز الوحدة الإسلامية، وإعادة النظر في المفاهيم الدينية بما ينسجم مع روح الإسلام السمحة ومتطلبات العصر.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=22981