ابراهيم الصغير
لقد ظل الحديث عن الشيعة والتشيع في المغرب، وعدد المتشيعين، وتهديدهم للوحدة الدينية والتماسك المجتمعي، وخطرهم على الأمن القومي المغربي، في نظر الكثيرين حديثا مبالغا فيه و مضخما بشكل كبير، ممن يقزمون ظاهرة التشيع في المغرب و يعتبرونها مجرد تشيع أفراد، لا تبشيرا منظما برعاية خارجية.
وهو طرح أبدت الأيام مجانبته للصواب، وأكدت الوقائع انخداع أصحابه بالتقية والمراوغة التي غطى بها المتشيعون المغاربة على أجندتهم الخفية وتغلغلهم الناعم، زمنا طويلا.
تقية لم تنفع مع العلماء الباحثين، والأساتذة المهتمين، ممن خبروا المشروع الصفوي الفارسي و الأطماع التوسعية الإيرانية، وانتبهوا إلى ما يحاك ضد بلدنا المغرب، من مؤامرات طائفية تخريبية. فراحوا يبينون و يحذرون، ويطالبون بموقف حازم اتجاه التغلغل الشيعي بالمغرب.
فما حجم هذا التغلغل؟ و ما مظاهره؟
الكتلة الشيعية بالمغرب:
يمثل الكتلة الشيعية بالمغرب بصورة علنية، تياران شيعيان هما: “التيار الشيرازي” المتطرف، و”التيار الرسالي” الذي يصفه البعض تجاوزا بـ (المعتدل). و قد تفرعت منهما عدة تنظيمات، في خطة محكمة لتبادل الأدوار، وتشتيت الانتباه إليهم و إلى تغلغلهم.
التيار الشيرازي:
نسبة إلى المرجع الشيعي محمد الشيرازي، أشهر المرجعيات الشيعية غلوا و تطرفا، ومنه أخذ تسميته ب”هيئة الإمام محمد الشيرازي” سنة 2012 بعدما كان اسمه”هيئة شيعة طنجة”، نسبة إلى المدينة التي يتمركز بها أغلب أتباعه.
المرجعية التي تحاول الرجوع بالتشيع إلى أصوله السبئية، من القول بفرض إمامة علي عليه السلام، و تأليهه، والغلو في الأئمة من بعده، والرجعة، والطعن في الصحابة، واتهام أمهات المؤمنين، وتكفير المخالفين، إلى غير ذلك مما هو من ضروريات التشيع عندهم. والذي يغلب عليه طابع الطقوسية، حيث يقدسون طقوسهم و احتفالاتهم، إلى درجة تكفير من يتحدث عنها بسوء، كالتطبير في مواكب العزاء والمجالس الحسينية التي تستغل في الاستقطاب العاطفي و التعبئة المذهبية، عن طريق الاحتكاك المباشر بعامة الناس.
و هذه المرجعية رغم معارضتها الشديدة لنظام ولاية الفقيه، إلى أنها لعبت دورا كبيرا في العديد من الثورات و حركات التغيير السياسي في بعض البلدان خدمة للمشروع التبشيري الإيراني، لقابلية استعمالها وتركيزها على نشر التشيع في البلدان السنية المستهدفة.
يتمركز أتباع التيار الشيرازي بشكل مكثف في مدن طنجة، مكناس، القنيطرة، الدار البيضاء و العيون… ويتجاوز عددهم الألف (1000) متشيع، حسب بعض التقارير، يؤدون شعائرهم الشيعية واحتفالاتهم البرائية في مجموعات صغيرة في البيوت، يشتهرون بسلاطة لسانهم سبا ولعنا، وتفسيقا وتكفيرا لكل من خالفهم حتى من المرجعيات الشيعية الأخرى كالخميني وبهجت، والخامنئي، فضلا عن المخالفين من السنة الذين يعتقدون كفرهم واستباحة دمائهم، بدعوى أنهم نواصب وأعداء لأهل البيت حسب زعمهم.
يعيشون حالة من التقوقع، والتوجس في علاقتهم مع المتشيعين المغاربة المخالفين لهم في التوجه والمرجعية، يدخلون كثيرا في نقاشات حادة لإثبات أحقية ما هم عليه و بطلان ما عليه غيرهم، يشهرون تشيعهم، ولا يتحرجون من وصفهم بالرافضة بل يفتخرون بذلك، ويعلنون جميع عقائدهم من دون تقية بخلاف غيرهم ممن يعتقد بوجوبها زمن الغيبة، حتى مرحلة القوة والتمكين، و يتستر بشعارات الانفتاح و الاعتدال.
التيار الرسالي:
يتخذ أتباع هذا التيار اللبناني محمد حسين فضل الله مرجعيتهم الدينية، وهو الذي اشتهر بالاعتدال والتعقل في بعض الأبحاث العقائدية والآراء الفكرية، وانقلب على الموروث الخرافي الشيعي في بعض المسائل، حيث يترضى “فضل الله” على جميع الصحابة ويحرم سبهم، مما جر عليه غضب الغلاة حتى وجد من يصفه بالمنحرف، وينكر خرافة كسر ضلع الزهراء رضي الله عنها، وهو من القائلين بولاية الفقيه مع التحفظ على بعض مبادئها في نسختها الإيرانية.
يشكل الرساليون الوزن الأكبر في الكتلة الشيعية بالمغرب، حيث أصبح تعدادهم بضعة آلاف، يتوزعون في أغلب المدن المغربية، ماضون في التكاثر والتوسع الجغرافي، وصولا إلى مدن الصحراء المغربية التي تشهد في الآونة الأخيرة حركة تشييع مهمة، بكل من الداخلة و العيون.
يعتقدون بالتقية، ويرفعون شعار الاعتدال والانفتاح، مما سهل لهم التغلغل في المجتمع المغربي، منفتحون على جميع المجالات الحياتية في المغرب، مندسون في الزوايا الصوفية، وفي كثير من الأحزاب السياسية، والحركات الإسلامية. يقيمون مجالسهم الحسينية في البيوت، في مجموعات صغيرة لا تتجاوز العشرة أشخاص، لهم حسينيات صغيرة في بعض المدن كطنجة، وزان، الدار البيضاء، أكادير، و العيون.
لهم قابلية كبيرة للاستعمال والتوظيف لانتقالهم بالتشيع من منظوره الديني والفقهي إلى التطبيق السياسي خدمة لأجندة خارجية، حيث يتمتع أغلب قياداتهم بالعلاقات القوية والسفريات الكثيرة لدول كإيران، العراق، سوريا، لبنان، و بلجيكا.
هذا حال ما يطفو على السطح بخصوص الكتلة الشيعية بالمغرب، خليط غير متجانس من تنظيمات متنافرة، تختلف في المرجعيات و الولاءات والارتباطات بالخارج، وتتفق في الهدف الأسمى ألا و هو نشر التشيع و التبشير به تحقيقا للتغلغل الناعم والاختراق السلس، على أمل و حلم إقامة دولة شيعية بالمغرب.
مجالات ومظاهر التغلغل الشيعي بالمغرب:
تتعدد مجالات و مظاهر التغلغل الشيعي بالمغرب، وتتفاوت خطورتها و حساسيتها وتأثيرها في المشروع الشيعي بالمغرب، ولهذا سأركز في هذه المحاولة على المجالات التالية:
المجال السياسي:
لقد شكل التعاطف السياسي الكبير لبعض المغاربة مع إيران بعد الثورة الخمينية، و حزب الله بعد حرب يوليوز2006، دعامة قوية للمتشيعين المغاربة في عملية اختراق الحقل السياسي المغربي.
ليجدوا الطريق ممهدة أمامهم، وينفذوا اختراقا مهما لبعض الأحزاب السياسية.. كما صرح بذلك عصام احميدان في حوار له مع موقع بديل سنة 2015.
و مع تطور استراتيجية الاختراق و الإرادة الإيرانية للتحول من مجرد اندساس أشخاص فقط في هذه الأحزاب إلى الاستقلالية والفاعلية والتأثير، انتقلوا إلى التمهيد لمرحلة جديدة، بدأت عندما هدد الرساليون بتأسيس حزب سياسي مستقل، وكذا بعد ظهور أحد المتشيعين.. في مؤتمرات أحزاب معينة (…) في محاولة جادة لإيصال صوتهم إلى البرلمان المغربي.
هذا، وقد استفاد المتشيعون المغاربة من الدعم والغطاء السياسي الذي شكلته السفارة الإيرانية وبعثتها الدبلوماسية بالمغرب سابقا، وكذا النشاط الكبير الذي تقوم به إحدى السفارات بالرباط، عن طريق تسهيل إجراءات الزيارات بمنح فيزا لزيارة الأربعين بأثمنة جد مناسبة، ومشاركة القنصل القائم بأعمال السفارة في بعض الاحتفالات والمهرجانات الصوفية، إضافة إلى بعض الأنشطة الثقافية التي تحييها السفارة بوزارة الثقافة بالرباط، ويدعى إليها كثير من المتشيعين.
مجال الثقافة والإعلام:
لقد أخذ الإعلام حيزا كبيرا في المشروع التبشيري الإيراني، حيث جعله ملالي الشيعة أول المرتكزات في تصدير الثورة، وتثبيت النفوذ الشيعي بالبلدان السنية، فقد اعتبر المرشد العام للدولة الإيرانية أن القوة التدميرية لوسائل الإعلام في هذا العصر تعادل القنبلة الذرية.
وعملا بهذه الوصية، واتباعا لبنودها، أولى المتشيعون المغاربة الإعلام أهمية قصوى في الترويج لعقائدهم الدينية، وآرائهم السياسية.
فاتجه بعضهم إلى الفضائيات، حيث يتصلون بالقنوات الشيعية الراعية لهم، كقناة “أهل البيت” و”فدك” التي يشتغل في خدمتها الإخبارية متشيعان مغربيان من مدينة مكناس، و يدعون أنهم متشيعون جدد (مستبصرون)، يستغلونها في الترويج لخطاب الكراهية الدينية و الطائفية، وإذكاء نار الفتنة بين المسلمين.
واتجه آخرون إلى الشبكة العنكبوتية، فأنشأوا المواقع، كموقع “هيئة الإمام محمد الشيرازي”، و”شبكة زاوية بريس”، وموقع” الخط الرسالي” و”المواطن الرسالي”، وأحدثوا العديد من المنتديات كمنتدى “العترة الطاهرة” و”غرفة الغدير المباركة” و”واحة شيعة المغرب العربي والتمهيد المهدوي”. بالإضافة إلى آلاف الحسابات الفايسبوكية والمجموعات المغلقة والصفحات المفتوحة على مواقع التواصل الاجتماعي، و كذا المنصات الثقافية للتعريف بالتشيع و الدعوة إليه.
وعملوا على استقطاب كتاب في بعض المواقع الإخبارية المعروفة… وإعلاميين في هيئات تحرير بعض الجرائد الورقية (…)
وقد استفاد كثير من هؤلاء الكتاب من سفريات إلى العراق بتسهيلات من السفارة العراقية بالرباط، بقصد المشاركة في مؤتمرات شيعية، كمؤتمر الغدير الدولي للإعلام، و تبادل الخبرات و التجارب، في مجال الإعلام الشيعي الرامي لتمرير التشيع في قوالب مختلفة.
وقد أصدروا جرائد شيعية مستقلة ك”صوت المواطن”، و قبلها”رؤى معاصرة”. وأحدثوا دور نشر خاصة بهم (…) والتي تنشر كل الكتب التي ترفضها باقي المطابع بدعوى مخالفتها للثقافة والمقدسات المغربية.
وأسسوا المكتبات الشيعية في مكناس والدار البيضاء، التي استفادت كثيرا من المعرض الدولي للكتاب والنشر.
ينضاف إلى ذلك الاهتمام بالبعثات الطلابية، حيث يتم انتقاء بعض الطلبة وإرسالهم إلى الدارسة في الحوزات الشيعية على أمل العودة إلى المغرب وقيادة قطار التشيع، وهو ما أنتج فعلا معممين مغاربة من درجات علمية متفاوتة منها حجة الله، عالم، و معمم حوزوي، بكل من طنجة، سلا، الرباط، البيضاء ومراكش، وكذا أساتذة ومدرسين تغلغلوا في المنظومة التربوية في العديد من المواد حتى الشرعية منها.
تغلغل ثقافي وإعلامي منح المتشيعين المغاربة جرعة زائدة من الحماس، الشيء الذي دفعهم هذه السنة للتهديد بإقامة مراسم العزاء والاحتفالات الشيعية علانية، رغم استهجانها وغرابتها على عادات وتقاليد المجتمع المغربي.
العمل الجمعوي والحقوقي:
بعدما حقق المتشيعون المغاربة اختراقات كبيرة في صفوف العديد من جمعيات المجتمع المدني، اصطدموا بيقظة السلطات، واختصاصات تلك الجمعيات التي لا تقبل بأنشطتهم الشيعية الطائفية خلال احتكاكهم بالفئات المستهدفة. ليفكروا في تأسيس جمعيات شيعية مستقلة، ك”جمعية الغدير” بمكناس، و”أنوار المودة” بطنجة، و”رساليون تقدميون” بتطوان.
وقد حققوا أيضا اختراقا مهما للعديد من الهيئات الحقوقية (…) التي عقدوا بفرعها بمدينة تطوان الجمع التأسيسي لجمعية رساليون تقدميون الشيعية، ودعموا ذلك بمرصد مستقل تحت اسم “المرصد الرسالي لحقوق الإنسان” بقيادة أحد المتشيعين المغاربة.
ليتمكنوا بفضل هذا التغلغل في المجال الحقوقي من عقد لقاء سري مع قياديين بالسفارة الأمريكية بالرباط سنة 2016، وأصبحوا يهددون برفع قضيتهم إلى مجلس حقوق الإنسان بجنيف. بعدما استقطبوا العديد من المحامين الذين تشيعوا (…) من طنجة.
هذه بعض مظاهر التغلغل الشيعي بالمغرب، تجتمع لترسم صورة عن ظاهرة دخيلة، بدأت توطن نفسها داخل النسيج المجتمعي المغربي، الذي ظل محافظا على ثوابته الدينية والوطنية، التي شكلت دعامة قوية في حفظ أمنه واستقراره.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=5700