إن التنوع الثقافي والديني والسياسي للمغرب ساهم في بروز العديد من الأنماط الموسيقية المختلفة، التي استمدت إيقاعاتها من خلال الانفتاح على ثقافات أخرى، ويبقى “فن الشكوري” وليد تلقح حضارات متعددة أهمها الحضارة الأندلسية العريقة بمختلف أعراقها .
ظهر فن الشكوري في فترة الأربعينيات والخمسينيات تغنى بمواضيع متنوعة كالمرأة، الحب، والوطن، فهو مزيج بين الغرناطي و الفلامينكو.
ولعل من بين الأسباب التي جعلت “فن الشكوري” يبقى محافظا على هويته ، هي التربة الخصبة التي كان ولازال المغرب يتمتع بها والمتجلية في أنبل رموز القيم الأخلاقية وأعني بها التعايش والتسامح الديني الذي ينعم به المغرب بحكم موقعه الجغرافي.
ولتقريب القارئ العربي من هذا الفن العريق يعيد “دين بريس” نشر الحوار الذي أجرته جريدة “مدائن بوست” مع الأستاذ عبد الحق وردي الباحث المتخصص في التراث الموسيقي:
ساهمت عوامل تاريخية وجغرافية في نشوء “فن الشكوري” فكيف استطاع هذا التراث اللامادي في الحفاظ على مكانته وهويته عبر العصور؟
الموسيقى جزء مهم من الهوية الثقافية المغربية وفن الشكوري أسلوب موسيقي متميز في بنيته الإيقاعية واللحنية، المبنية على مزيج بين طبوع أندلسية و عربية من خلال تركيبة موسيقية متأثرة بأنماط موسيقية، كالملحون و الغرناطي وطرب الآلة الأندلسي والشعبي، وأنماط أندلسية أخرى كالادينو وأشكال أخرى.
استطاع هذا الفن الصمود و الاستمرار بفضل اندماج يهود مغاربة داخل المجتمع المغربي، واحتضانهم وضمان رعاية خاصة من طرف ملوك المغرب عبر التاريخ، والمجتمع المغربي كذلك، وذلك احتراما للديانة الإسلامية، التي تنادي بالتسامح واحترام ديانات أخرى كل هذا ساهم في حماية المكون اليهودي وثقافته داخل المجتمع المغربي.
صاحب تطور فن الشكوري بروز العديد من الأسماء، التي بصمت الساحة الفنية المغربية؟كيف ذلك؟
إن استمرار فن الشكوري بالمغرب، وكل الأنماط الموسيقية المرتبطة بالطائفة اليهودية بالمغرب كان ولازال بفضل نساء ورجال بصموا التاريخ الموسيقي المغربي عن جدارة واستحقاق.
فالفنانة زهرة الفاسية أول امرأة يهودية مغربية، تقتحم فن الغناء في العشرينات من القرن الماضي، وقد تركت رصيدا غنائيا جميلا يتكلم عن تفاصيل حياة المجتمع المغربي في تلك الفترة، ويعتبر الفنان سامي المغربي أيقونة وواحد من الرجالات الدين حافظوا على الهوية الموسيقية المغربية من خلال تحديث فن الملحون في القرن الماضي ،وتلحين مجموعة من الأغاني العاطفية و الوطنية المهمة جدا، ولعلى تأسيسه لأول أستوديو تسجيل الموسيقى بالمغرب أهم الانجازات التي ساهمت في الحماية والمحافظة على الذاكرة الموسيقية المغربية ،وكان الأستوديو معروف بسامي فون، ولا يمكن أن نغفل دور سليم الهلالي ذو الأصول الجزائرية التركية و القادم من فرنسا هاربا من حكم فيشي ،إلى الدار البيضاء حيث أسس ملهى الديك الذهبي و الذي كانت تقام فيه حفلات موسيقية بشكل يومي، وكان من بين أعضاء كورال سليم الهلالي “الحاجة الحمداوية” والمطربة “لطيفة أمال” وعازف العود “عمر الطنطاوي” الذي سيصبح فيما بعد عازف العود الشهير وكذلك الفنان “المعطي بنقاسم” .
وقد ساهم سليم الهلالي في تكوين الرعيل الأول من الموسيقيين المغاربة، الذين ساهموا في تكوين ما يسمى بالأغنية المغربية العصرية المعروفة حاليا، ولا يفوتني كذلك الدور الكبير الذي قامت به عائلة بطبول وكذلك سيمون الترجمان المعروف بسيمون الصانع ،كان عازف العود أساسي ورئيس فرقة سليم الهلالي هذا الرجل ساهم كثيرا في تطوير العزف على العود في المغرب، ولا يشار إليه وذلك لغياب مجموعة من الوثائق وما يصطلح عليه تسجيلات، ولكن حاليا عبر اليوتيوب نستطيع إيجاد مجموعة من الأغاني لحنها سيمون الصانع و التي تدل على أنه كان عازفا وملحنا متميزا.
هل تعتقدون أستاذ أن المناخ السياسي والديني الذي كان ينعم به المغرب آنذاك ساهم إلى حد كبير في الحفاظ على فن الشكوري ونشر ثقافة السلام والتعايش بين مختلف الديانات ؟
لا يختلف اثنان حول دور الموسيقى والفنون عموما في نشر ثقافة التسامح والتعايش والتضامن، والمغرب نموذجا كبيرا ورائعا للاندماج بين مكوناته الاثنية والمختلفة في المعتقد و الدين، وذلك راجع لتبني ملوك المغرب الوسطية والاعتدال في الدين وتأثير ذلك على المجتمع المغربي، الذي ومنذ القدم معروف بسماحته وحبه واحترامه للأخر مهما اختلف الدين واللون أو الجغرافية، وتبقى الموسيقى وكل الفنون جسر للمحبة ونشر القيم النبيلة التي تحقق الانسجام والاحترام والتضامن ونشر ثقافة التسامح والتعايش داخل كل المجتمعات.
نبذة:
عبد الحق وردي حاصل على الجائزة الشرفية في مادة آلة العود من المعهد الوطني للموسيقى بالرباط ، مؤلف موسيقي لأول منهجية آلة العود باللغة الفرنسية طبعت ونشرت منذ 2009 بفرنسا، باحث في التراث الموسيقي والغنائي العربي والعالمي، يغني بلغات مختلفة اللادينو الأندلسي ،العبرية، الآرامية، البولونية، الصربية، والتركية، أسس سنة 2015 فرقة مغربية بولونية تحت اسم فرقة جوى وهي تقوم بعروض موسيقية ببولونيا،ليتوانيا،سويسرا،إيطاليا والمغرب.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=7504
سفيانمنذ 4 سنوات
لا شك أن الموسيقى والغناء يكرسان قيم التعايس والتسامح داخل المجتمع الواحد مهما اختلفت وتنوعت ثقافاته ومن هذا القبيل أيضا نجد المطروز الغرناطي الذي هو شعر مغنى بالعربية والعبرية.
شكرا على الاضاءة.