مدونة الأسرة بين رهان الدولة وتكتيكات العدل والإحسان

دينبريس
2025-01-20T09:54:20+01:00
تقارير
دينبريس20 يناير 2025آخر تحديث : الإثنين 20 يناير 2025 - 9:54 صباحًا
مدونة الأسرة بين رهان الدولة وتكتيكات العدل والإحسان

سعيد الزياني ـ خاص بالموقع
تمثل معركة مدونة الأسرة في المغرب اختبارا سياسيا واستراتيجيا يتجاوز كونه تعديلا قانونيا ليمتد إلى مواجهة مفتوحة بين الدولة والتيارات الإسلامية المعارضة للتحديثات التشريعية، وعلى رأسها جماعة العدل والإحسان، هذه الأخيرة لا تخوض الصراع من منطلق فقهي محض، بل تستثمره كأداة لإعادة تشكيل موقعها في المشهد السياسي، مستخدمة البعد الهوياتي والمرجعية الدينية كسلاح لمساءلة شرعية النظام السياسي.

وفي ظل مناخ اجتماعي وسياسي متوتر، ومع تزايد فقدان الثقة في الأداء الحكومي، تدرك الجماعة أن طرح قضية مدونة الأسرة في قالب الدفاع عن “ثوابت الشريعة” يمنحها فرصة ذهبية لاستقطاب قاعدة أوسع من المؤيدين، حتى وإن كانوا لا ينتمون إلى مشروعها السياسي، لكنهم يشاركونها المخاوف حول المساس بالمنظومة القيمية للمجتمع.

وتعتمد الجماعة على تكتيك مدروس يقوم على إثارة مخاوف مجتمعية تجاه التعديلات المطروحة، مقدمة إياها على أنها امتداد لمخطط “تغريبي” يستهدف الأسرة المغربية، هذا الخطاب يخلق بيئة مشحونة قابلة للتحول إلى حالة تعبئة مجتمعية واسعة.

لذلك، لا تسعى الجماعة إلى مواجهة مباشرة مع الدولة، بل تعمل على تأطير النقاش داخل دوائر التأثير الاجتماعي، من خلال شبكاتها الدعوية والرقمية، مما يسمح لها بإدارة معركة طويلة الأمد دون الحاجة إلى تحركات ميدانية قد تؤدي إلى تصعيد أمني مباشر.

وتكمن الإشكالية الأساسية التي تواجه الدولة في هذا الملف ليس في تمرير التعديلات ذاتها، بل في كيفية احتواء تداعياتها دون تأجيج استقطاب حاد بين التيارات المحافظة والدولة، فالمخاطر لا تقتصر على المعارضة العلنية لهذه التعديلات، بل تمتد إلى احتمال أن يصبح هذا الرفض أرضية لتشكيل تحالفات غير معلنة بين الجماعة وفصائل إسلامية أخرى، قد ترى في هذا الملف فرصة لإعادة التموضع بعد تراجع حضورها السياسي (نموذج حزب العدالة والتنمية). وإضافة إلى ذلك، أظهرت التجارب السابقة، لا سيما خلال معركة “خطة إدماج المرأة في التنمية” عام 2000، أن مثل هذه القضايا يمكن أن تشكل شرارة لحراك واسع إذا لم تُدار بحكمة.

ويمثل هذا الملف تحديا معقدا أمام الدولة المغربية، حيث إن التعامل معه بفرض الأمر الواقع قد يكون مكلفا، بينما التجاهل قد يسمح بتعاظم الخطاب الإسلامي المعارض لإصلاح أحوال الأسرة المغربية، فالمطلوب إذن هو تبني استراتيجية متعددة الأبعاد تجمع بين تفكيك الخطابات التقليدية والمتشددة، عبر مؤسسات دينية رسمية قادرة على تقديم تأصيل شرعي متماسك للتعديلات، وبين ضبط أي تحركات ميدانية قد تتخذ طابعا احتجاجيا غير منضبط، كما أن على الدولة استباق أي محاولة لاستثمار هذا الملف في خلق حالة تعبئة أوسع عبر تقديم توضيحات قانونية وإعلامية تسد الثغرات التي قد تستغلها الجماعات الاسلامية في خطابها.

وإذا كانت الدولة تسعى من خلال مدونة الأسرة إلى “تحديث القوانين”، فإن الجماعة (وغيرها) ترى في هذه المعركة فرصة لإعادة إنتاج خطابها المعارض، وفرض نفسها كفاعل ديني وسياسي يمتلك الشرعية لمساءلة السلطة حول المرجعية التشريعية للمجتمع.

وفي هذا السياق، لا يمكن فصل الجدل حول المدونة عن السياق الأكبر المتعلق بالصراع على الشرعية الدينية، حيث تحاول الجماعة تقديم نفسها كبديل عن المؤسسات الدينية الرسمية، مما يجعل المواجهة لا تدور فقط حول مضامين المدونة، بل حول من يمتلك سلطة تحديد هوية المجتمع المغربي ومسار تحولاته القيمية.

وفي معركة كهذه، لا يكفي أن تمتلك الدولة القرار، بل يجب أن تمتلك القدرة على ضبط إيقاع التفاعلات المجتمعية والسياسية المحيطة به، وإغلاق المساحات التي يمكن أن تتحول إلى نقاط اشتعال غير متوقعة.

وبالتالي، فإن التحدي الحقيقي ليس في تمرير التعديلات، بل في تحصينها من أي استغلال سياسي قد يجعل منها شرارة لاحتقان أوسع، قد لا تكون الدولة مستعدة لدفع ثمنه في سياق إقليمي ودولي متغير.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.