سعيد الكحل
اعتاد الإسلاميون على مهاجمة الجمعيات النسائية والناشطات الحقوقيات في كل مناسبة يطالبن فيها بتعديل قانون الأحوال الشخصية وتجويد التشريعات المغربية حتى تتلاءم مع الدستور والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب. إذ يعمدون في كل مرة إلى اتهام الجمعيات النسائية بالسعي إلى تخريب الأسرة ومحاربة الدين خدمة “لأجندات” خارجية.
ولعل الفظيع في الأمر هو تحوّل نساء التنظيمات الإسلاموية إلى أدوات يتم توظيفها في مهاجمة الجمعيات النسائية؛ الأمر الذي يثبت بجلاء التأثير الخطير للإيديولوجيا الإسلاموية، من جهة، على عقول النساء فتجعلها تخضع للوصاية بكل سلاسة؛ ومن أخرى على حقوقهن فيقبلن الخضوع والتبعية والرضا بوضعية الإماء.
نساء يناهضن حقوق النساء
أطلقت نسوة من حزب العدالة والتنمية حملة تحت عنوان “ما تقيش مقدساتي” شبيهة بالحملة التي أطلقها شباب من الحزب ذاته سنة 2009 تحت شعار “ما تقيش ديني” لمواجهة حركة “مالي”. وتستهدف النسوة البيجيديات مطالب الهيئات النسائية بتعديل مدونة الأسرة وإلغاء كل البنود التي تكرّس التمييز ضد النساء.
والغريب في الحملة أن عضواتها مجهولات الهوية والعدد، مما ينزع أي مصداقية عنهن، بخلاف حملات المطالبات بتعديل مدونة الأسرة التي تكشف عن هويات عضواتها وأعضائها. ويمكن الرد على مضامين الحملة ودحض أكاذيبها وافتراءات عضواتها كالتالي:
1 ــ تزعم عضوات الحملة أنهن من “نساء المغرب الأحرار.. ومنهن ربات البيوت والمثقفات والطبيبات والمهندسات والاستاذات والطالبات وغيرهن كثير”، يناهضن مطالب تعديل منظومة الإرث ويرفضن تغيير القانون الجنائي. فهن يردن أن يبقى قانون الأسرة على حاله بكل أوجه الظلم والقصور في حق النساء. هرطقة مخالفة للواقع غايتها شرعنة العنف والتمييز ضد النساء. نفس الهرطقات والترهات أطلقها البيجيدي لمناهضة المطالب النسائية، خاصة سنة 2000 أو الحملة الحالية ضد الدينامية التي أطلقتها الدعوة الملكية إلى مراجعة مدونة الأسرة.
لقد تجاهلت عضوات الحملة الحقيقة التي تجسدها عشرات الجمعيات النسائية، سواء تلك التي تنسّق فيما بينها داخل “تحالف ربيع الكرامة”، أن تنشط خارجه. كل هذه الشريحة الواسعة من النساء التي تمثلها وتؤطرها الجمعيات النسائية لا تقيم لها نساء الإسلاميين أي اعتبار. علما أن المكاسب التي تحققت لفائدة نساء المغرب جاءت ثمرة للنضالات المتواصلة لتلك الجمعيات التي تجاوبت معها إيجابيا الإرادة الملكية بفتح ملف تعديل المدونة.
في حين لا فضل لنساء التنظيمات الإسلامية ولا دور لهن فيما تحقق من مكاسب، بل كن ولا زلن مناهضات لها. ومن شد نفاقهن أنهن أول المستفيدات من تلك المكاسب التي ناهضنها. مثال آخر تتجاهله نسوة الإسلاميين وهو مطالبة نساء الجماعات السلالية (تشكل الجماعات السلالة ربع 4/1 سكان المغرب على مساحة تقدر بـ 15 مليون هكتار) بالمناصفة والمساواة بينهن وبين الذكور في الاستفادة من عائدات ومنافع الأراضي السلالية وفي أنصبة توارثها، وقد تحققت هذه المطالبة، علما أنهن كن محرومات من تلك الاستفادة ومن توارث الأرض، ثم صرن يستفدن من نصف نصيب الذكور، والآن لهن مثل ما للذكور.
واقع أعمت الإيديولوجيا نساء الإسلاميين وتنظيماتهم عن رؤيته والتعامل معه كحقيقة ملموسة. لهذا لن ينخرطن في أي نضال من أجل تغييره نحو الأفضل. بل كن ولا زلن عقبة في وجه أي إصلاح. وهن، بهذا الموقف الرافض والعدائي لحقوق النساء، يؤكدن التخوفات التي عبرت عنها الأستاذة نزهة جسوس في كتابها “امرأة في بلاد الفقهاء” وكذا تذمرها من فشل التعليم في أن يكون وسيلة ارتقاء ووعي للإناث. إذ كيف لمثقفات ومتعلمات أن يرفضن إلغاء كل أشكال التمييز والعنف ضد النساء ويتشبثن بوضعية الجواري والإماء؟
2 ـ من مغالطات الحملة وافتراءاتها، ترويج الكذب والبهتان في حق الناشطات الحقوقيات بكونهن يحاربن الدين ويعادين الشريعة. تلك كذبة لم يعد يصدقها المواطنون بعدما تأكدوا من استغلال الإسلاميين للدين والمتاجرة به لأهداف سياسوية ومن أجل المناصب والمكاسب البرلمانية. أنتن يا يا عضوات الحملة اتهمتن خصومكن كذبا وزورا بنفس التهم لما دافعوا عن مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية، لكن كنتن أول المستفيدات منه. وكما استفدتن من مدونة الأسرة في تحريركم من قبضة الأزواج وعُضْل الأولياء، استفدتن وتستفدن من منظومة حقوق الإنسان التي لا تؤمنّ بها أنتن وكل الإسلاميين، لكنكم جميعا تحتمون بها (حين افتضاح تورط أعضاء وعضوات من الإسلاميين في قضايا أخلاقية يطالب الجميع باحترام الحريات الشخصية. فهل توجد في الشريعة حريات فردية؟).
من مغالطات عضوات الحملة اتهامهن للناشطات الحقوقيات بالتعامل مع الرجل كـ”عدو”. في حين أن المناضلات يطالبن بحفظ كرامتهن واحترام حقوقهن ومعاملتهن كمواطنات مساويات للذكور في المواطنة. فهن يرفضن رفضا قاطعا: اغتصابهن كطفلات أو زوجات، استغلال كَدِّهن وسَعْيهن بعد الطلاق أو الترمّل، أو معاملتهن كناقصات عقل ودين، أو إقصاءهن من المشاركة في الحياة السياسية وتدبير الشأن العام، أو حرمانهن من اقتسام الفضاءات العامة واستغلالها مثلهن مثل الذكور.
لهذا يتمسكن بالاضطلاع بمسؤولية “الولاية” بكل مستوياتها التي نص عليها القرآن الكريم وشرعها الله تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر). والاضطلاع بمسؤولية الولاية لا يتحقق بالبقاء في البيوت أو بالحجر على النساء ومصادرة حرياتهن في التنقل والخروج من البيت وإبداء آرائهن والقيام بالأدوار السياسية والإدارية والاقتصادية وغيرها. إذ تتعارض الولاية مع معاملة المرأة ناقصة عقل ودين، أو وضعها تحت الوصاية أو معاملتها كجارية لا تملك حريتها في إنهاء علاقة الزواج التي جعلها الفقه التقليدي الذكوري علاقة استعباد.
فلا غرابة إذن، أن تطالب عضوات الحملة بإحياء عهد الإماء حيث تكون مهمة الأنثى خدمة الذكور والخضوع لهم ضدا على التشريعات الدينية والقوانين المدنية والمواثيق الدولية، فلا يطالبن بالمساواة في المواطنة أو بالمساواة في الحقوق والحريات. لهذا”ما تقيش مقدساتي” حملة تشرعن استعباد النساء بالفقه الذكوري الذي تحوّل إلى دين شمولي.
من حق عضوات الحملة أن يشترطن نوع المعاملة التي يخضعن لها في عقود الزواج ويتركن غيرهن من النساء الحرائر فعلا وقولا وتطلعا واقتناعا يؤسسن لعلاقات أسرية قائمة على المساواة والكرامة والحرية. إن كانت وضعية الإماء ترضي عضوات الحملة فليعشنها داخل أسرهن دون السعي لفرضها على غيرهن من الإناث. لا يمكن لسجينات فقه الإماء وناقصات العقل والدين أن يبنين مجتمعا ديمقراطيا يتمتع فيه كل أفراده، ذكورا وإناثا، بالحقوق والحريات على قدم المساواة.
3 ــ حملة تناهض المساواة التي تقرها منظومة حقوق الإنسان والمواثيق الدولية. تعتقد عضوات الحملة أن الحقوق التي استنبطها الفقه الذكوري من القرآن والأحاديث تحقق العدل بين النساء والذكور، بينما هي تجعل أسلوب معاملة الأزواج للزوجات يجرد النساء من الآدمية ويحولهن إلى جواري ودواب يقضي على كل الأحاسيس الإنسانية. وهذه نماذج من الممارسات الشرعية التي تفضلها نساء الإسلاميين على المواثيق الدولية:
أ ــ ضرب الزوجات
ــ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «علقوا السوط حيث يراه أهل البيت، فإنه آدب لهم» (أخرجه الطبراني:10/344-345، وهو في السلسلة الصحيحة برقم 1447). فكل الاجتهادات الفقهية الموروثة تفسر الآية القرآنية {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:34]، تفسيرا حرفيا يشرعن ضرب النساء بالسياط.
ب ــ إسقاط النفقة عن الناشز
ــ وفي المبسوط للسرخسي: وَإِذَا تَغَيَّبَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجِهَا، أَوْ أَبَتْ أَنْ تَتَحَوَّلَ مَعَهُ إلَى مَنْزِلِهِ، أَوْ إلَى حَيْثُ يُرِيدُ مِنْ الْبُلْدَانِ، وَقَدْ أَوْفَاهَا مَهْرَهَا، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا نَاشِزَةٌ، وَلَا نَفَقَةَ لِلنَّاشِزَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ فِي حَقِّ النَّاشِزَةِ بِمَنْعِ حَظِّهَا فِي الصُّحْبَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء: 34]. فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ تُمْنَعُ كِفَايَتَهَا فِي النَّفَقَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَظَّ فِي الصُّحْبَةِ لَهُمَا وَفِي النَّفَقَةِ لَهَا خَاصَّةً، وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ بِتَسْلِيمِهَا نَفْسَهَا إلَى الزَّوْجِ وَتَفْرِيغِهَا نَفْسَهَا لِمَصَالِحِهِ، فَإِذَا امْتَنَعَتْ مِنْ ذَلِكَ صَارَتْ ظَالِمَةً، وَقَدْ فَوَّتَتْ مَا كَانَ يُوجِبُ النَّفَقَةَ لَهَا بِاعْتِبَارِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا.
وفي المغني لابن قدامة: فمتى امتنعت من فراشه، أو خرجت من منزله بغير إذنه، أو امتنعت من الانتقال معه إلى مسكن مثلها، أو من السفر معه، فلا نفقة لها ولا سكنى، في قول عامة أهل العلم؛ منهم: الشعبي، وحماد، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي، وأبو ثور.
إن وضعية “الإماء” التي يشرعنها الموروث الفقهي هي التي ترفضها الجمعيات النسائية والناشطات الحقوقيات ويعتبرنها عنفا في حق الزوجات، واستطعن، بنضالاتهن المتواصلة، إلغاء بنود مدونة الأحوال الشخصية التي تُسقط النفقة عن الزوجة في حالة “النشوز” وفق ما اتفقت عليه المذاهب الأربعة وعامة السلف. كل هؤلاء أجمعوا على أن النفقة في مقابل التمكين فتسقط بسقوطه.
المادة 195 من مدونة الأسرة تنص على (يحكم للزوجة بالنفقة من تاريخ إمساك الزوج عن الإنفاق الواجب عليه، ولا تسقط بمضي المدة إلا إذا حكم عليها بالرجوع لبيت الزوجية وامتنعت).
ج ــ نفقة العلاج لا تجب على الزوج
ذهب جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة إلى أن الزوج لا يجب عليه نفقة العلاج والدواء لزوجته.
قال الإمام الشافعي في “الأم” (8/337) : ” وليس على رجل أن يضحي لامرأته ولا يؤدي عنها أجر طبيب ولا حجام ” انتهى .
وقال في “شرح منتهى الإرادات” (3/227) : ” ولا يلزمه دواء ولا أجرة طبيب إن مرضت ; لأن ذلك ليس من حاجتها الضرورية المعتادة بل لعارض فلا يلزمه ” انتهى .
د ــ كفن الزوجة غير واجب على الزوج.
إن التشريع الإسلامي لا يلزم الزوج بشراء كفن زوجته: قالت المالكية والحنابلة والحنيفية : لا يلزم الزوج بتكفين زوجته ولو كانت فقيرة، فإن لم يكن لمن تلزمه نفقته مال كُفن من بيت المال إن كان للمسلمين بيت مال، وأمكن الأخذ منه وإلا فعلى جماعة المسلمين القادرين مؤن التجهيز كالحمل إلى المقبرة والدفن ونحوه .!
وفى البخاري ج 1/ كتاب الجنائز باب 2/1182: يجب تكفين الميت من ماله الخاص الذي لم يتعلق به حق الغير، كالمرهون عند الدائن، فإذا تعلق به حق الغير كالدين مثلاً يقدّم الدين عليه، وإن لم يكن له مال خاص فيؤخذ ممن تلزمه نفقته في حال حياته، كالوالد على ولده الصغير أو العاجز، والولد على والديه الفقيرين، ويستثنى من ذلك الزوجة ” فالزوج غير ملزم بنفقة تجهيز زوجته ولو كان غنياً وكانت هي فقيرة ”
هذا هو الوضع الذي تريده نساء التنظيمات الإسلامية ويسعين لفرضه على نساء المغرب.
بفضل نضالات النساء العلمانيات والحداثيات والحقوقيات تم إلغاء/تعطيل المواد التي تسقط النفقة على الزوجة الناشز، وكذا التي تجبرها على الرجوع لبيت الطاعة، وتلك التي تسمح بالطلاق الغيابي. فنضال هؤلاء النسوة حرر النساء من ظلم الفقهاء للنساء باسم الإسلام. ومن يردن العيش في كنف إسلام الفقهاء فعليهن الرضا والخضوع للأزواج ولا يتظلمن ولا يرفضن تعدد الزوجات ولا يطالبن باقتسام الممتلكات الزوجية حين الطلاق أو الترمل، وليعشن، إن شئن، إماء دون أن يفرضن نظام عيشهن على غيرهن من بنات ونساء المغرب.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=20195