خلف أسوار السجون وفي مخيمات الاحتجاز، يقبع آلاف الرجال والنساء والأطفال وقد طواهم النسيان بعد ما يقرب من عام على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الذي كانوا ينتمون إليه يوما.
وتخضع معظم المنطقة المحيطة بمدينة القامشلي لسيطرة المقاتلين الأكراد، الذين ساعدوا في إلحاق الهزيمة بالجماعة المتشددة؛ لكن المقاتلين الأكراد اضطروا للدخول في جيب صغير بشمال شرق سوريا، بعد أن أرغمتهم على ذلك قوات تقودها تركيا وتعتبرهم تهديدا أمنيا لها.
وتتحمل القوات الكردية العبء الأكبر في رعاية المعتقلين منذ انهيار تنظيم الدولة الإسلامية، بمن فيه من مئات الأجانب الذين كانوا يحاربون جنبا إلى جنب مع مقاتلين من داخل البلاد لإقامة دولة خلافة في الشرق الأوسط.
وتمثل مسألة التعامل مع فلول تنظيم الدولة الإسلامية، الذي قام مقاتلوه بتعذيب وإعدام الآلاف في أوج قوته عام 2014، قضية شائكة للبلدان التي سافر مواطنوها للقتال في صفوف التنظيم.
وعلى سبيل المثال، ترددت كثير من الدول الأوروبية في استعادة مواطنيها خوفا من رد الفعل العام. ويشكل الأوروبيون نحو 20 في المائة من مقاتلي التنظيم، الذين تحتجزهم الجماعات المسلحة الكردية والبالغ عددهم حوالي عشرة آلاف مقاتل في سوريا.
ويقول المسؤولون الأكراد إنهم ليست لديهم الموارد الكافية لاحتجاز هذا العدد الكبير من السجناء والتحقيق معهم ومحاكمتهم وكذلك رعاية أسرهم في المخيمات، ووجهوا النداءات مرارا إلى الدول الأجنبية من أجل استعادة مواطنيها.
وقال محمود محمد، وهو مقاتل سوري في تنظيم الدولة الإسلامية تحتجزه القوات الكردية في سجن بالقرب من مدينة الحسكة جنوبي القامشلي: “نريد أن نعرف مصيرنا”.
وأضاف لرويترز، في مقابلة رتبتها وأشرفت عليها قوات الأمن الكردية خلال زيارة تم الحصول على موافقة بها للسجن: “لا نعرف شيئا عن أسرنا.. لا نعرف إن كانوا أحياء أم أمواتا، إن كانوا في سوريا أم خارجها. أريد أن أعرف عقوبتي ومصيري”.
وكان محمد، وكنيته أبو حمزة، أحد تسعة رجال قابلتهم رويترز في سجنين، أحدهما يقع بالقرب من الحسكة والآخر هو السجن المركزي في المدينة.
وكان معظمهم من سوريا أو العراق، وواحد منهم من الولايات المتحدة وآخر من بلجيكا.
وكان بعضهم مقاتلين، فيما قال آخرون إنهم استقدموا للعمل لصالح التنظيم عندما كان يسيطر على أراض في سوريا والعراق.
وقال عبد الرحمن مصطفى الجمعة، وهو سوري من الرقة يبلغ من العمر 32 عاما وكان محتجزا في سجن الحسكة المركزي: “كنت أعمل معهم كمدني”.
وأضاف: “العقوبة هي سنتان. أنا متزوج ولدي طفلان. عائلتي في الرقة وتأتي لزيارتي”.
سجن مكتظ ومخيم مترامي الأطراف
كانت الأوضاع في السجن القريب من الحسكة، والذي كان مدرسة قبل نقل الأسرى إليه، أسوأ بوضوح من السجن المركزي.
وشاهد مراسلو رويترز أكثر من 50 رجلا متكدسين في زنزانة واحدة، بما لا يدع لهم متنفسا للحركة. كان ضوء النهار ضعيفا للغاية، وكان الهواء مختلطا برائحة العرق والأوساخ.
وفي مستشفى بالطابق الأرضي، تجمع حوالي 100 رجل على نحو 50 سريرا أو حولها يشكون أمراضا وإصابات. كان كثيرون منهم يرتدون ملابس برتقالية اللون، تشبه تلك التي كان يرتديها عادة أسرى التنظيم قبل إعدامهم.
وخارج أسوار السجون، يُحتجز الآلاف في مخيمات بالمنطقة، معظمهم من النساء والأطفال.
وأكبر هذه المخيمات هو مخيم الهول في محافظة الحسكة، ويعيش فيه عشرات الآلاف على رقعة مترامية في خيام من قماش أبيض لا يقي من برد شتاء ولا مطر أجواء.
ويلعب الأطفال في طرقات موحلة وبرك قذرة في الأماكن المفتوحة. وتتحرك نساء بنقابهن الأسود في مجموعات صغيرة أو يتسامرن أو يؤدين الأعمال اليومية.
ورفضت معظم النساء الدخول في حوار مع رويترز، وردت بعضهن بفظاظة.
ووافقت امرأة على التحدث؛ لكنها رفضت ذكر اسمها. وتكلمت بلغة إنجليزية ركيكة، وقالت إنها من هونج كونج، وجاءت إلى الشرق الأوسط للانضمام إلى الدولة الإسلامية.
وأضافت بينما كان ابنها الصغير إلى جوارها: “لدي طفل وتوفي زوجي في الباغوز”. وسقطت بلدة الباغوز، آخر جيوب الدولة الإسلامية في شرق سوريا، في أيدي القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في ربيع العام الماضي.
وقالت المرأة إنها على اتصال بأسرتها في هونج كونج؛ لكنها لا ترغب في العودة.
وأضافت: “أعرف أن الوضع هنا صعب جدا. هذا ليس بيتا، بل مجرد خيمة… لكننا نعيش جميعا (بمشيئة) الله، وكل شيء سيكون على ما يرام إن شاء الله”.
رويترز
المصدر : https://dinpresse.net/?p=6891