عمر العمري ـ دين بريس
يبرز، في كل حقبة، صوت قادر على إعادة ترتيب الأسئلة، وتفكيك الموروث، واقتحام المساحات التي يراد لها أن تبقى مغلقة.. شخص يزعج السائد، لا لأنه يملك الحقيقة المطلقة، بل لأنه يرفض أن تصاغ الحقيقة بلون واحد.
ومحمد عبد الوهاب رفيقي، أو “أبو حفص”، من هذا النوع: تجربة خرجت من رحم التحولات، وعقل تمرد على القوالب الجاهزة، وجرأة دفعت به إلى منطقة وعرة، حيث يصبح الاجتهاد تهمة، والمراجعة خروجا عن النص، والتفكير في غير المألوف شكلا من أشكال التمرد.
كان “أبو حفص” يوما أحد وجوه “السلفية الجهادية”، واليوم صار في نظر خصومه “خارجا عن الملة”، فقط لأنه قرر أن يمارس حقه في إعادة التفكير، وفي هذا المناخ البائس، يصبح من الطبيعي أن ينظر إلى التساؤل بوصفه استفزازا، وإلى التجديد باعتباره تجاوزا، وإلى البحث عن المعنى بوصفه لونا من ألوان الخيانة الفكرية!
لماذا يثير أبو حفص كل هذا الجدل؟
لأنه يعرف الداخل الذي يخافون الحديث عنه، ويفكك المنظومة التي يريدون الإبقاء عليها كما هي، ويملك من الشجاعة ما يكفي ليواجه خطابا لا يقبل المراجعة.. هو ليس واعظا يسترضي جمهوره، وليس خطيبا يبحث عن التصفيق، ولا يدعي أنه عالم من العلماء، بل يريد أن يكون عقلا يشتبك مع الأسئلة الصعبة، ويعيد رسم حدود النقاش الديني، ليخرج به من دوائر التكرار إلى فضاءات أوسع..
وحين أعلن عن برنامجه “روحانيات”، لم يكن الجدل حول أفكاره، ولا حول مضمونه، بل حول حقه في الحديث أصلا.. كيف يمكن لرجل خرج عن النسق “السلفي” أو “الاخواني” أو التقليدي أن يخوض في الروحانيات؟ من منحه هذا الامتياز؟ كيف يجرؤ على التحدث في موضوع ظل حكرا على تيارات محددة؟
ولم يكن الجدل نقاشا فكريا حول مضمون البرنامج أو أطروحاته، بل انحرف نحو محاولات لإقصاء الصوت المختلف، وكأن التفكير مساحة مغلقة لا يسمح بدخولها إلا وفق معايير محددة مسبقا. ولم يكن التركيز على محتوى البرنامج أو ما سيقدمه من أفكار (لم يطلع عليه أحد أصلا)، بل تحولت المسألة إلى سجال جانبي ركز على تفاصيل ثانوية، مثل “نسيان كتاب في الإذاعة” أو “ارتداء قفطان”، وكأن هذه الأمور كافية للتشكيك في أي مشروع أو برنامج فكري قبل أن يطرح للنقاش.
وحين فشلت هذه المحاولات في التأثير، جاء سلاح التخويف: “انتهاك خطير لإمارة المؤمنين!” وكأن الرجل بصدد إطلاق حركة دينية جديدة، لا تقديم برنامج رمضاني يناقش البعد الروحي في الإسلام! فهو لا يصدر فتاوى، ولا يناقش الشرعية الدينية، ولا ينافس أحدا، لكنه في نظر البعض متسلل إلى منطقة محظورة، اقتحم فضاء اعتادوا احتكاره، وكأن الحديث عن الدين لم يعد شأنا مشتركا، بل امتيازا خاصا لا يجوز تجاوزه.
لكن المسألة أوسع من كونها نقاشا حول برنامج بعينه، فهي تظهر تساؤلا أعمق حول طبيعة التجديد وإمكانية تقبله، وحول مدى استعداد الفكر العام للتفاعل مع قراءات جديدة، والنظر إلى الدين كمنظومة قابلة للتأمل والتطور والتحديث..
لذلك، ستتكرر المحاولات، وستستخدم نفس الأساليب لمواجهة كل طرح جديد أو رؤية مختلفة، لكن ما تثبته التجارب دائما هو أن الأفكار حين تولد لا يمكن إعادتها إلى الظل، والأسئلة حين تطرح لا تختفي بالتجاهل، ومن اعتاد التفكير بحرية لن يعود إلى قيود المسلمات الجاهزة..
المصدر : https://dinpresse.net/?p=23073
منتصر الخطيبمنذ أسبوع واحد
لأنه يرفض أن تصاغ الحقيقة بلون واحد…. ما الألوان التي يريدها؟