محمد زاوي
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية، اليوم الخميس 21 نونبر، مذكرة اعتقال في حق رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت. وهو قرار غير مسبوق من قبل المحكمة، وقد أدى إلى هستيريا خطابية لدى مسؤولي وقضاة وصحافة ووزراء “الكيان الصهيوني” مستنجدين بقاموس “معاداة السامية”، وكأن السامية تعني قصف الأطفال والنساء والمسنين والمستشفيات والمساجد، وكأن السامية مرادف للإبادة الجماعية.
كيف نفسر هذا القرار، وفي هذا السياق بالذات؟ في هذا الصدد، بإمكاننا استحضار العوامل التالية:
1-ردع اليمين المتطرف داخل “إسرائيل”: وقد قلنا في مقالات سابقة إن الإبادة الجماعية التي يمارسها اليمين المتطرف “الإسرائيلي” في حق الشعب الفلسطيني لم ولن تسفر عن قوة وتوسع لمنطقه في الوجود والتوسع في عمق الوطن العربي. بل إنها من جهة لا تعدو أن تكون ردّا على تراجع الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري الموجّه للكيان الصهيوني، ومن جهة أخرى فإنها تعمق هذا التراجع وتسرّع وتيرته إذا أخذنا بعين الاعتبار استنفاد الكيان الصهيوني لأغراضه الإمبريالية في الشرق الأوسط.
2-تراجع العولمية التي توفر غطاء لجرائم الكيان الصهيوني: وذلك لأن الشرق الأوسط لم يعد يشكل مصدر تهديد حقيقي للغرب إذا ما قارناه بقوة صاعدة كالصين، بالإضافة إلى أن الأسلوب الإمبريالي القديم والقائم على “الربح من السيطرة السياسية والعسكرية” لم يعد هو الأسلوب المفضل والمربح للرأسمالية الغربية. بل إن هذا الأسلوب أصبح مكلّفا مستنزفا لقدراتها الصناعية والمالية، الأمر الذي يضعفها أمام الرأسمالات الصاعدة، كاشتراكية السوق الصينية والرأسمال الهندي الخ.
3-عودة ترامب للبيت الأبيض: وقد سارع نتنياهو لمباركة عودته وفوزه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، معبرا عن سعادته بالحدث واستعدادِه للعمل والتعاون مع ترامب. يُعرَف نتنياهو بميله إلى سياسات اليمين المتطرف “الإسرائيلي”، إلا أنه ليس يمينيا من حيث الانتماء السياسي. إن انتماءه إلى حزب “الليكود” (تيار الوسط) يجعله منفتحا على كافة السياسات اليمينية وغير اليمينية، حسب موازين القوى الأمريكية و”الإسرائيلية” و”الدولية”. إنه مستعد لتغيير السياسة بعودة ترامب، إلا أنه أصبح بفعل الواقع جزءا من مرحلة يجب أن تطوى. وكل عودة منه لممارسة السياسة في “إسرائيل” فيجب أن تتم بشروط وضمانات، ولن يغيب هذا عن فهم ترامب!
4-التمهيد لتوافق جديد في الشرق الأوسط: وهو توافق يعكس واقعا دوليا جديدا، إذ لم يعد الشرق الأوسط مجالا أمريكيا يتقلب بين سياسات حكام الولايات المتحدة الأمريكية. وإن الصين التي ظلت لعقود متحرزة من وضع يدها على ملفات الشرق الأوسط، نراها اليوم تتدخل في الخلاف بين الفصائل الفلسطينية (مصالحة بكين) والتوتر بين السعودية وإيران (المصالحة بين البلدين بوساطة صينية).. يتزامن هذا التدخل الصيني، ومعه تدخل آخر روسي (في سوريا)، مع تراجع أمريكي واضح عززته سياسات دونالد ترامب. هذا الواقع الدولي الجديد، ومعه موافقة معظم الدول العربية على الاستراتيجية الجديدة (دول الخليج/ الأردن/ مصر/ المغرب/ السلطة الفلسطينية)، لا يقبلان سياسات يمينية متطرفة تربك الحسابات الجديدة. الضغط على نتنياهو يدخل في هذا الإطار.
5-تغير معالم العمل الصهيوني في الخارج: أين اختفى اللوبي الصهيوني؟ أين اختفى هذا الغول الذي يجعل الليل نهارا والنهار ليلا، ويُشرق الشمس من مغربها إذا أراد؟ أين هذا اللوبي الذي يتحكم في أمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا؟ أين هذا اللوبي الذي أصبح عند البعض استثناء يتحكم في قواعد الرأسمال لصالح رزنامة عقدية تلمودية؟! إن التحولات التي نشهدها اليوم تفرض على بعض المحللين والسياسيين العقائديين مراجعة موقفهم من الصهيونية، بعد أن جعلوا منها أصلا لرأسمال غربي يحكمه الربح، والربح فقط. الصهيونية نتاج رأسمالي، ستصبح هباء منثورا إذا لم يجد فيها هذا الرأسمال ربحا. وحدهم أولئك الذين سيتشبثون ب”إسرائيل الكبرى” و”تقديم القرابين للهرمجدون”، باليهودية المحرفة/التلمودية؛ هؤلاء وحدهم سيجدون أنفسهم أمام واقع أممي جديد يقدمهم مدانين أمام المحاكم الدولية.. سيجدون أنفسهم أمام واقع جديد ربما يحركه رأسمال كان إلى عهد قريب يحمي الصهيونية ومطامع اليمين المتطرف “الإسرائيلي”.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=21384