خديجة منصور
ارتبط مفهوم الدولة بالجانب السياسي نظرا لأهميته في التفكير الإنساني عبر العصور، حيث تعكس الدولة إبداعا إنسانيا يظهر القدرة على التنظيم العقلي والإرادي لحياة الإنسان، لتصبح رمزا للحرية والتقدم. وتبدو الدولة أيضا تعبيرا عن حاجة طبيعية للإنسان، كما يقول الفلاسفة: “الإنسان مدني بالطبع.”
اتفقت الآراء الفلسفية حول أن الدولة تهدف إلى تنظيم السلوك البشري عبر إصدار القوانين وفرض الامتثال لها، وبسط سلطتها على مجالها الجغرافي. ويتقاطع فكر إيمانويل كانط مع هذه الرؤية، إذ اعتبر أن الدولة المتنورة ينبغي أن تربي الناس على مفهومي الحرية والسلام الدائم.
ويقودنا هذا إلى طرح أسئلة حول منظور كانط للدولة، مثل: ما مفهوم الدولة عند كانط؟ وكيف يظهر فكر كانط حول الدولة في تصوراته؟ وما هي مقومات الدولة حسب رؤيته؟
لفهم فلسفة كانط السياسية، يمكن الاستناد إلى مصادر رئيسية مثل نقد العقل العملي، وتأسيس ميتافيزيقا الأخلاق، والدين في حدود العقل المجرد. ولعل السياق التاريخي لعصر التنوير، الذي عاش فيه كانط تحت حكم الملك فريدريك الثاني (1740-1786)، يضيف أبعادا لفهم فلسفته، فقد أثرت أفكاره بشكل واسع في الأوساط الفكرية والأدبية. دعا كانط البشر إلى استخدام عقولهم، قائلا “أعملوا عقولكم أيها البشر، لتكن لكم الجرأة على استخدامها… الله زودكم بعقول وينبغي أن تستخدموها.” ويؤكد كانط على دور العقل والحرية في تحقيق الاستقرار والسلام.
فيما يخص الفعل الأخلاقي، يرى كانط أن التشريع الداخلي، القائم على الإرادة الحرة المستقلة، هو مصدر الفعل الأخلاقي. فالفعل الخيّر ينشأ من داخل الشخص، متحررا من أي إملاءات خارجية، إذ ينبغي على الفرد أن يكون خيراً بذاته. وعلى النقيض من ذلك، يميز كانط بين الفعل الأخلاقي والفعل السياسي، حيث يخضع الأخير لقوانين خارجية تملي على الفرد طاعتها. ويحتوي الفعل السياسي على رادع خارجي لا يهدف إلى تحقيق الخير، بل إلى السلام والتناغم الاجتماعي، عبر ضبط الحرية لتحقيق الاستقرار وتجنب الفوضى.
تناولت الفيلسوفة حنة أرنت هذا التمييز الكانطي، مؤكدة أن السياسة لا تسعى لتحقيق الخير بحد ذاته، بل إلى التعامل مع ما هو خارجي وفق شروطه وقوانينه؛ بينما يُعتبر الفعل الأخلاقي شأناً ذاتياً ينبع من الفرد. ويرفض كانط فرض الأخلاق من الخارج، إذ ينبغي للخير أن ينبع من الشخص ذاته، لأن ارتباط الفعل السياسي بالنوايا سيؤدي إلى التدخل في النوايا الفردية، مما يهدد السلام والانسجام في المجتمع.
من جانبه، يرى بنجامين كونستان أن الحرية الحديثة تقتصر على الخضوع للقانون، إذ يتمتع الفرد بحقوق شخصية لا يمكن المساس بها، بخلاف الحرية القديمة التي تركزت على المشاركة السياسية.
لقد تميزت فلسفة كانط بطرحها النقدي للعقل الخالص، مستعيناً بالتجربة للتمييز بين إمكانات الميتافيزيقا وحدودها.
Source : https://dinpresse.net/?p=21167
عمر5 أيام ago
ممتاز