محمد عسيلة، استاذ باحث في قضايا الدين والثقافة والهجرة – ألمانيا، استاذ محاضر بالمدرسة العليا للعلوم الاجتماعية التطبيقية بكولونيا، ورئيس جمعية العائلة المغربية للثقافة والشباب
في تاريخ المغرب الطويل وتراثه الغني، دائمًا ما تميز الشعب المغربي بروح التضامن والتكافل، لكن في العقود الأخيرة، شهدنا تجسيدًا فريدًا لهذه القيم من خلال قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.
قيادة جلالته، التي باتت تُعتبر قدوة ومثلًا يُحتذى به على المستوى العربي/ الاسلامي والعالمي، لم تكن مجرد تعبير سياسي عن مبادئ وقيم، بل كانت عملية مستمرة من العطاء والحضور الفعّال في كل الأزمات والتحديات. هذه القيادة اصحبت لها مكانة مرموقة في تعزيز التضامن المغربي وأصبحت درسًا مهمًا يُستفاد منه للحكام والشعوب حول العالم.
ومن هنا، تأتي أهمية اللحظات التي تختبر فيها الأمم قوة وشجاعة وحضور القيادات. ففي الأوقات التي يتعرض فيها المغرب للكوارث والتحديات، يبرز دور القيادة بشكل بارز في توجيه الأمور والتخفيف من آثارها.
وهنا، تظهر صورة قيادة المغرب الرشيدة في شخصية صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي ببصيرته وحكمته السياسية أصبح يمثل القوة الدافعة لتعزيز روح التضامن والتكاتف بين أبناء الوطن جلية حيث لا تمر أزمة إلا ونجد جلالته نصره الله، يقدم نموذجًا للقيادة الحكيمة والرشيدة والملهمة التي تمثل السند والداعم الأساسي في مواجهة الأزمات وتجاوزها.
الرد الفوري والحاسم
كانت ردود الأفعال الدولية سريعة وواسعة النطاق إثر الزلزال المدمر الذي ضرب المملكة، ولكن ما كان ملفتًا حقًا هو الاستجابة الوطنية القوية التي قادها صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله. لم يكتف جلالته بصفته أمير المؤمنين بالتعازي والدعوات، ولكنه كان يقود الاستجابة الوطنية من الصفوف الأمامية، مبادرًا بحملات تضامن واسعة النطاق، التي بإمكاننا أن نصفها بأنها “حملات تضامن القرن”. حملات استطاعت أن تلفت أنظار العالم، ونالت الاحترام والتقدير من الدول الصديقة والشقيقة.
بتوجيهات مباشرة من جلالته، عملت السلطات والمؤسسات الحكومية بسرعة فائقة لتقديم كل أشكال الدعم والمساعدة للمتضررين. وتم التركيز بشكل خاص على أهمية العمل المشترك والتكاتف، حيث أصبحت المحنة تمثل فرصة للوحدة والتضامن بين جميع أطياف المجتمع المغربي.
تجاوب المجتمع وتضامنه
مع توجيه الضوء على الدور الكبير الذي قام به صاحب الجلالة نصره الله وأيده، لا يمكن تجاهل التجاوب الكبير من قبل المجتمع المدني المغربي. جاء هذا التجاوب في شكل دعم مادي ومعنوي من قبل الجمعيات، منظمات وتمثيليات المجتمع المدني المغربي من داخل المغرب وخارجه، وحتى المواطن البسيط، ساهم بصمت وبشهامة، مما أضفى جوًا من التكافل والتآزر عابر للقارات.
إن التضامن ليس مجرد كلمة نرددها في الأوقات الصعبة، بل هو قيمة حيوية نعيشها يوميًا، وهو ما أثبته الشعب المغربي بامتياز في مواجهة الزلزال وكل الكوارث.
ومع قيادة حكيمة ترعى هذه القيم، يمكن للمملكة أن تتجاوز أي تحدي يقف أمامها.
مغاربة العالم: ركيزة أساسية في التضامن الوطني
مغاربة العالم، هؤلاء الذين نثروا الأراضي الأجنبية بجذورهم وثقافتهم، لم يتركوا وطنهم في ساعة الحاجة. على الرغم من البُعد الجغرافي، فقد أظهر مغاربة الخارج قربا روحيا وتضامنًا لا مثيل له.
من أقاصي أمريكا إلى قلب أوروبا وأقاصي آسيا، استجابوا لنداء الوطن وأرسلوا يد العون. تحولت المسافات الطويلة إلى جسور من التكافل والمحبة. إن دعمهم لم يكن ماديًا فقط، بل مليء برسائل الأمل والتشجيع، مؤكدين أن الدم الذي يجري في عروقهم ينبض بحب المغرب، مهما كان مكان إقامتهم.
هذا التضامن الذي أظهره مغاربة العالم يعكس الانتماء العميق لأرض الآباء والأجداد، ويؤكد أن الهوية المغربية تتجاوز الحدود والمحيطات.
دور المساجد المغربية في المهجر في تعزيز روح التضامن
المساجد تُعتبر منذ القديم ركائز أساسية في ترابط المجتمعات وتوجيهها، وهذا الدور لم يكن حكرًا على المساجد الموجودة داخل الحدود المغربية فقط، بل امتد لتشمل المساجد المغربية المنتشرة في المهجر.
في أوقات الأزمات والكوارث، تكون المساجد المغربية في المهجر محطات تجمع للمغاربة، حيث يُعقد فيها الاجتماعات التوجيهية وتُطلق الحملات التضامنية. تتحول هذه المساجد إلى مراكز لجمع التبرعات والمساعدات المادية والمعنوية لدعم الوطن.
كما أن المساجد تلعب دورًا حيويًا في نقل الأخبار والتحديثات المتعلقة بالأحداث في المغرب، وتقديم الدعم النفسي للمغاربة الذين يشعرون بالقلق بسبب أحبائهم في الوطن. إضافةً إلى ذلك، تتميز المساجد بتقديم الدروس والندوات التوعوية حول أهمية التكاتف والتعاضد في هذه الأوقات الصعبة.
تثبت المساجد المغربية في المهجر، مرةً بعد مرة، أنها ليست مجرد أماكن للصلاة، بل هي مؤسسات اجتماعية تعمل على ترابط وتكاتف المجتمع المغربي، مهما كان مكانه.
في ختام الأمر، تبقى قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله واحدة من أبرز الأمثلة على الدور الفعّال والإيجابي الذي يمكن للقادة أن يلعبوه في توجيه مصائر شعوبهم. هو لم يقدم فقط رؤية للمستقبل، بل قدم نموذجًا حيًا لكيفية مواجهة التحديات وتحويلها إلى فرص. وفي هذا السياق، تتجلى أهمية القيادة الحكيمة والمسؤولة في بناء مجتمع متماسك وقوي.
تظل تجربة المغرب ملكا وشعبا مصدر إلهام، ليس فقط للأمة العربية والإسلامية، ولكن لكل من يسعى لبناء مستقبل مشرق لشعبه.
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=20542