20 يوليو 2025 / 07:31

قراءة معرفية في خطبة “تسديد التبليغ” (3)

محمد زاوي

المعاشرة بالمعروف: استراتيجية إسلامية للعالَمين

جاءت خطبة الجمعة، 18 يوليوز 2025، لتأكيد معنى الخطبة التي سبقتها؛ بتجديد الدعوة إلى “المعاشرة الحسنة بين الأزواج”، وربط هذه المعاشرة بحاجة الزوجين إليها، وتوسيع معناها لتشمل أقارب الزوجين.

وقد تحدثنا في مقال سابق عن أهمية هذه المعاني في عالم اليوم، من حيث تخفيف ظروف الاجتماع التفاوتي وحفظ التقليد الاجتماعي، مشيرين إلى أهمية ذلك في حفظ الأمن والاستقرار وتدبير مرحلة عالمية مضطربة لا يخلو بلد من تأثيراتها.

أما الخطبة الجديدة، فقد أضافت في نظرنا معنيين مرتبطين بسياقنا الحالي:

المعنى الأول: أولوية الروحي والمعنوي في الحاجات الأسرية، وهو ما عبر عنه صاحب الخطبة بقوله: “والمسلم كذلك مطالب بالمعاشرة الحسنة لزوجته وأبنائه، فهم أهله وعماد بيته، وذلك بالقيام بالواجب تجاههم بالمحبة أولا ثم بحاجاتهم المادية ثانيا، وعلى كل من الزوج والزوجة أن يكون القدوة للآخر وللأولاد لينا ورحمة ولطفا، وتعليما وتربية، وأن يتحمل المسؤولية في كل ما يلزمه القيام به شرعا لصالح الجميع”.

ويقتضي هذا المعنى اعتبار حالين في الأسرة: حال منها وبه تتحقق القدوة والمحبة والجرعات الأولى من العاطفة والأخلاق في مراحل عمرية تُدرَّب بالنفس أكثر مما تدرب بالعقل، وحال من خارجها يفرض عليها “الروح لعالم بلا روح” ويدرجها في أحد واقعين أو كليهما: تنظيم محكم، أو تخفيف إيديولوجي.

وذلك دون إغفال أولوية “الروحي والمعنوي” أنثروبولوجيا إذا تحدثنا عن العالق فينا من أسر ما قبل التاريخ، ولا شعوريا إذا تحدثنا عن لا وعينا القديم والماقبتاريخي.

يؤسس الرجوع إلى هذه المعاني نوعا من المقاومة تكتسب فيها الأسرة المسلمة فعالية هدفها تحرير الأسرة من سطوة التفكير المادي الاستغلالي، دون تجريدها من حاجاتها المادية الضرورية، ودون طمس هذه الحاجات بإيديولوجية “المعنى الروحي والأخلاقي”؛ إلا إذا كان هذا الصنيع من أمن الدولة واستقرارها، فآنئذ تصبح أدلوجةٌ من هذا النوع طريقا (تكتيكا) إلى “وحدة العدل والرحمة”، ولو في مستقبل بعيد!

المعنى الثاني: إدخال استراتيجية الإسلام في الأسرة حيز التنافس القيمي العالمي، وفيه قال صاحب الخطبة: “عباد الله؛ إن المذاهب السياسية والاجتماعية في عصرنا الحاضر، لها تصورات مختلفة للأسرة يدور عليها التنافس، ومن تأمل في شريعة الإسلام في ما يتعلق بالأسرة سيدرك أن القيم المطلوبة في الكتاب والسنة هي المخرج للإنسانية في هذا الباب، وعندما نتحدث عن الكتاب والسنة فعلينا أن ننتبه إلى أن عددا من العوائد والتصورات الخاطئة تتحكم في سلوك العلاقة مع الرجل وهي ليست من الكتاب ولا من السنة إذا خرجت عن الحق والمساواة والمرحمة”.

ينافس الإسلام كاستراتيجية على دعوة العالمين وتأطيرهم، ومدار التنافس إنسانٌ تتجاذبه المناهج والتصورات، وهي في أصلها نتاج مصالح، نتاج “وجود اجتماعي” مسيطر عالميا. يخوض الإسلام هذه المعركة كاستراتيجية، كقيم وأخلاق وفلسفة لا كمقولات وتأويلات تاريخية أدرجت في الدين عنوة وقسرا، في حين أنها تعبر عن مصالح أصحابها أكثر مما تعبر عن الدين، عن واقع مجتمعاتها لا عن جوهر الدين وحكمته الخالدة.

إن كل دعوة إسلامية للعالَم في موضوع الأسرة مطالبة بتخليص خطابها من “عوالق التاريخ”، ومن ذهنيات تعيد إنتاج “الدعوة” على مقاس مصالحها الضيقة والمنحسرة أو مناهجها المعرفية الزائفة. هذه دعوة تكتيكية قد تنفع مؤقتا في شرط سياسي واجتماعي يطلبها، لكنها -حتما- ليست خطابا للعالمين، كما أنها ليست خطابا لمغرب الغد!