22 أغسطس 2025 / 08:07

قراءة استراتيجية في خطة داعش لتوحيد فروعه بإفريقيا

دين بريس ـ سعيد الزياني
تشير تقارير إعلامية إلى أن تنظيم داعش أعلن عن خطة تهدف إلى توحيد فروعه في القارة الإفريقية، ولا سيما في منطقتي الساحل وغرب إفريقيا.

يمكن النظر إلى هذا التطور باعتباره تحولا مهما في مسار التنظيم، حيث يعكس محاولة للانتقال من وضعية التشتت المحلي إلى صياغة بنية أكثر تماسكا تسعى إلى استعادة موقعه ضمن الفاعلين في مشهد “الإرهاب العابر للحدود”.

ويثير هذا التوجه جملة من الأبعاد الاستراتيجية التي تستوجب الدراسة والتحليل:

أول ما يلفت النظر هو أن التنظيم يحاول استنساخ تجربة العراق وسوريا، حيث نجح في مرحلة سابقة في دمج فصائل متفرقة تحت قيادة مركزية، الأمر الذي منح عملياته زخما وقدرة على التوسع السريع.

وفي السياق الإفريقي، يسعى داعش إلى تجاوز الانقسامات بين فروعه، مثل ولاية غرب إفريقيا وولاية الساحل، لخلق إطار أكثر تماسكا يسمح بتنسيق الهجمات على نطاق إقليمي واسع، مستفيدا من الطبيعة الجغرافية المفتوحة، وغياب سلطة الدولة في مناطق شاسعة، وضعف القدرات العسكرية والأمنية المحلية.

ثانيا: يرتبط هذا التوجه بالبيئة الأمنية والسياسية في القارة، فإفريقيا اليوم تمثل الحلقة الأضعف في منظومة الأمن الدولي: انسحاب القوات الأجنبية أو تقليص وجودها، انهيار أنظمة سياسية هشة، تزايد النزاعات الداخلية، واستفحال الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

وتمنح هذه الظروف التنظيم مجالا رحبا لإعادة التموضع، سواء عبر استقطاب مقاتلين محليين من الفئات المهمشة، أو عبر استقدام عناصر أجنبية تجد في الساحل وبحيرة تشاد وأطراف الصومال بيئة آمنة للعمل.

ثالثا: إن إعلان توحيد الفصائل هو رسالة موجهة إلى الخارج، ذلك أن تنظيم داعش يريد أن يثبت أن موت قادته في العراق وسوريا لم ينه قدرته العملياتية، وأنه قادر على التكيف وإعادة البناء في فضاءات جديدة.

وهو أيضا يسعى لتأكيد مكانته داخل “الساحة الجهادية” العالمية أمام منافسين مثل “القاعدة”، التي ما تزال تحتفظ بشبكات عريقة في إفريقيا.

لذلك، فعملية توحيد الفصائل هنا يصبح ورقة لتثبيت الشرعية بين جمهور المتعاطفين والأنصار، ورسالة تحد إلى المجتمع الدولي.

رابعا: الأبعاد العملياتية لهذا التوحيد قد تكون خطيرة، فوجود قيادة موحدة أو تنسيق محكم بين الفروع يعني قدرة أكبر على التخطيط لعمليات معقدة، وتبادل للموارد البشرية والمالية، واستغلال أكثر كفاءة لمسارات التهريب التي تربط الساحل بالمغرب العربي وأوروبا جنوبية.

هذا يرفع من احتمالية انتقال الخطر إلى خارج القارة، خصوصا أن التنظيم يمتلك خبرة في تحويل شبكات التهريب إلى أدوات لوجستية لإمداد الخلايا النائمة أو تنفيذ عمليات نوعية.

خامسا: من زاوية استراتيجية، فإن هذا التطور يعكس إدراكا بأن بقاء التنظيم مرهون بالقدرة على التكيف، فقد أثبتت التجارب أن ضرب القيادات أو تفكيك البنية المركزية لا يكفي للقضاء على التنظيمات الإرهابية، لأنها قادرة على إعادة إنتاج نفسها في فضاءات أخرى.

وبالتالي، فإن توحيد الفروع الإفريقية يمثل مرحلة جديدة من إعادة الانتشار، تحاول من خلالها داعش إعادة بناء نموذج “التنظيم الأممي” بعد أن تراجع نفوذه في معاقله الأصلية.

وتوضح القراءة الاستراتيجية لهذه الخطوة أن على الفاعلين الإقليميين والدوليين التعامل معها باعتبارها مؤشرا على تحول نوعي في طبيعة التهديد، وليس مجرد إعلان دعائي، فنجاح داعش في ترجمة مسعى توحيد فروعه إلى واقع ميداني قد ينعكس بشكل مباشر على أمن القارة الإفريقية والضفة الجنوبية للمتوسط.

إذن يقتضي الأمر تعزيز مستويات التنسيق الأمني والاستخباراتي، إلى جانب تبني مقاربة شاملة تعالج العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تتيح لهذه التنظيمات فرص فرض الذات والتمدد.

وعليه، فإن عملية توحيد الفروع لا ينبغي التعامل معها على انها إجراء تنظيمي داخلي بالنسبة لداعش، وإنما تندرج ضمن مسعى أشمل لإعادة التموضع وإعادة صياغة صورته كفاعل يهدد الأمن العالمي، مع اتخاذ القارة الإفريقية قاعدة انطلاق رئيسية في هذه المرحلة.