3 يونيو 2025 / 08:21

فيديوهات التنمية الذاتية: قراءة نقدية

كريم محمد

باحث ومترجم مصري

دعونا نعترف أنّ الفيديوهات التي تعجّ بها السوشيال ميديا من استعراض لنمط العيش والطعام والشراب والأعمال «المريحة» إنّما تعمل عمل الهيروين بالنسبة إلى كثير من مشاهديها، حيث إن هذا الإدمان والتعاطي على هذه الفيديوهات يَسحر المشاهد حدّ الفُصام بين تخيُّل ما عليه حياته وما يحلم أن تكون عليه حياته.

ينسى المشاهد بالفعل أوّل ما ينسى طبقته الاجتماعيّة، التي هي جزء حاسم من نمط حياته وإمكاناته وما يمكن تحقيقه وبلوغه. تكسر هذه الفيديوهات الاستعراضيّة حاجز الطبقة حتى يشعر المشاهد: لماذا لا أكون كذلك ببساطة؟ تتيح له هذه الفيديوهات أن يتكلم بالمصطلحات الإنجليزيّة نفسها. وتوفّر له ضربًا من ضروب المعرفة العلاجيّة وفهم أنماط الشخصيّة، ويشعر بالفعل المشاهد عند حدّ معين بأنه متطابق جدًا مع صاحب المحتوى، وينسى أنّه خلف الشاشة؛ أي خلف الطبقة الاجتماعيّة، والمكانة التي لا توفّر له ذلك.

لذلك، يمكننا أن نقول إنّ هذه الفيديوهات الاستعراضيّة إنّما سهّلت لفئات كثيرة أن ترتقي ثقافيًا بوعيها على نحوٍ لا تسمح به طبقتها الاجتماعيّة. أحاول في هذه السطور أن أحلّل هذا الذّهان الذي يحصل بين هذا الوعي «الثقافي» و«الطبقي» ببساطة.

لكلّ طبقة ما يسمّيه السوسيولوجيّ الفرنسيّ بيير بورديو «هابيتوس» خاصّ بها، وهذا الهابيتوس هو المحدّد الرمزيّ والماديّ لأفراد هذه الطبقة، بدءًا من طريقة الطعام والعيش وانتهاء بالسلوك الإنسانيّ برمّته. يضطلع الهابيتوس بدور «اللاوعي الاجتماعيّ»، بحيث يغدو قبليًا، يتصرف السلوك وفقًا له.

وإذا ضممنا فرويد ببورديو، فيمكننا أن نخرج بحصيلة مهمّة وفقًا لقراءة أحاول أن أشبّكها منذ زمن لفهم التطور النفسيّ لأفراد الطبقة الواحدة مع تطورها الاجتماعيّ. إذا دققنا النظر في مثال فرويد عن ابنة صاحب البيت في مقابل ابنة حارس البيت، سنجد أنّ الطبقة الاجتماعيّة لا تضمن التطور النفسيّ: فابنة صاحب البيت المحكومة بمُثل الفضيلة قد ينشأ عندها عصاب يمنعها من الارتباط، في حين أنّ ابنة حارس البيت ليس لديها ما تخسره، ويمكنها بالتالي أن تفلت من العصاب الناتج عن تضارب القيم لديها.

عودًا إلى الفيديوهات الاستعراضيّة، تتيح هذه «الريلز» انتشار ثقافة طبقيّة خادعة، توهم الرجال والنساء باستحقاقيّة حياة لا تسمح بها طبقتهم الاجتماعيّة، وبالتالي تُنكّسهم ليعلنوا عن نزعة تدميريّة جدًا self- destruction تبدأ فور أن يلفظ الشخص بكملة «حياتي سيّئة. لا بد أن أغيّرها».

تنشأ هذه الاستحقاقيّة عن عماء لفكرة الطبقة الاجتماعيّة، وبالتالي لإمكانيات هذا الرجل أو تلك المرأة في الارتباط وكلّ الأفعال الاجتماعيّة. في مجتمع البسطاء الذي أشبعته النسويّة شتمًا، كانت الفتاة لا تحلم بأكثر من رجل على هيئة أبيها: يعمل نفس عمله، له دخل كدخله، إلخ، وبالتالي كانت خالية من أيّة استحقاقيّة زائفة حيال ما تستحقه؛ بل حتى إنّها كانت تتعامل مع جمالها بـ«ماديّة» شديدة: أي إنّها إن كانت متوسطة الجمال فلا تحلم بأكثر من رجل متوسط الجمال، وإذا تزوجت شخصًا أشد جمالًا منها كانت تعتبر ذلك من قبيل الهبة الربّانيّة لها.

أمّا مع ثقافة «الريلز»، فالأوهام تفتك بالعلاقات على مستوى الرجل والمرأة. صار ابن الطبقة الوسطى يحلم بفتاة خارجة من الجيم، لها روتين لكلّ تفصيلة في جسدها، تشرب الماتشا، في حين أنّه يتناسى أنّه لا يستطيع أن يوفر دخلًا لهذه الحياة. وبالمقابل بالمثل، هناك استحقاقيّة كبيرة لدى شرائح من النساء اليوم حيال ما يستحقونه من رجال sexy وشديدي الثراء والتعليم والمكانة الاجتماعيّة.

إنّ التطور النفسيّ إن كان ممكنًا فهو يحصل على «مستوى فوقيّ» ولا علاقة له بالأفعال والعلاقات الاجتماعيّة التي يحكمها، شئنا أم أبينا، منطق ماديّ بحت، متمثلًا في طبقتك الاجتماعيّة.