ذ. محمد جناي
يمكن الإشارة إلى مصطلح التنمر على أنه ممارسة فرد أو عدة أفراد لسلوكات غير متحضرة، ويمكن تعريفه بأكثر من طريقة والوصول إلى فهمه من خلال أكثر الأعراض وضوحا كالأفعال المتكررة التي تنم عن العدائية، والسخرية، أو السلوكات التي تهدف إلى استبعاد الآخرين، ويمكن أن تشتمل التصرفات التي تعد تنمرا على الإساءات اللفظية أو المكتوبة ،والتنابز بالألقاب، أو الاستبعاد من النشاطات والمناسبات الاجتماعية، أو الإساءة الجسدية، أو الإكراه على فعل معين .
فالتنمر مصطلح دخل القاموس العربي مؤخراً، لكنه كفعل وسلوك؛ قديمٌ قدم الانسان نفسه، فمن الطبيعي أن تجد التنمر في البيئات التي يسودها الجهل، أو القصور الإدراكي، لكن هل يمكن أن يوجد التنمر في زمن الأوبئة والفزع ؟!
الإجابة: نعم للأسف.. فالتنمر موجود في كل مجتمع انساني تقريباً،ومع انتشار وباء كورونا، في شهر دجنبر الماضي من ووهان الصينية، ليضرب لاحقا أكثر من 200 دولة حول العالم بما فيها المغرب، ومنذ الإعلان عن أول حالة إصابة بكورونا في الثاني من مارس الماضي ، تسبب الفيروس حتى الآن بوفاة 1531 شخصا من بين 381188 أصيبوا بحسب وزارة الصحة، وعند ذلك برزت ظاهرة التنمر والسخرية في حق مصابي هذا الفيروس اللعين، فالتنمر مفردة مشتقة من اسم (النمر)، وهو حيوان متوحش يبطش بفرائسه بشراسة.
إن الإسلام قد دعا المسلم إلى الأخذ بأسباب الوقاية وتطبيق الإرشادات الصحية حين معاملة مريض مصاب بمرض معد كفيروس كورونا و في ذلك قال رسولنا الكريم: “وفر من المجذوم فرارك من الأسد”، و في الوقت نفسه دعا إلى الحفاظ على صحة المريض النفسية؛ فقال رسولنا الكريم في شأن الجذام أيضا -وهو مرض معد-: (لا تديموا النظر إلى المجذومين) [سنن ابن ماجه]؛ أي لا تطيلوا إليهم النظر، ولا تكرروا النظر لمواطن المرض؛ كي لا تتسببوا في إيذاء المريض بنظراتكم، ولا شك أن الانتباه لمعاملة المريض وأسرته، وعدم انتقاصهم بكلمة أو تصرف خلق رفيع مأمور به من باب أولى.
وحديثنا اليوم هو عن التنمر ضد مصابي “كورونا ” والذي يعد شكل من أشكال التمييز وازدراء الآخر والسخرية منه، وله عدة صور كلها تتفق في أنه شكل من أشكال الإساءة والإيذاء موجه من قبل فرد أو مجموعة نحو فرد أو مجموعة تكون أضعف، إنه سلوك مرفوض وغير مرغوب فيه اجتماعيا وأخلاقيا ، ولعل أصعب الحالات التي يعيشها المصاب بفيروس كورونا اليوم ألا وهو التنمر، حيث يصبح المصاب بهذا الفيروس كأنه في قفص الإتهام في الوسط الذي يعيش فيه، مما يدفع بعض المصابين بالفيروس بإخفاء إصابتهم لتجنب التنمر عليهم وهو ما يعرض حياة المصاب والمجتمع ككل للخطر وتفشي الفيروس.
وبالتأكيد ان هنالك تعليمات نشرتها منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة وغيرها من المؤسسات الصحية في العالم أنه يجب علينا جميعاً أن نتبعها من غسل الأيدي والتباعد الجسدي ومنع الإختلاط غير الآمن وإرتداء الكمامة مروراً بالحجر الصحي إذا كان الأمر يتعلق بإصابات مؤكدة وما إلى ذلك وهذه تعليمات تحفظ قدر الإمكان سلامتنا وسلامة الآخرين وسلامة من نحب ، من مقربين وغيرهم ، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ورغم كل هذا من يُصاب بفيروس كورونا ليس مجرماً ، ولا يستحق أي شكل من أشكال الإساءة والأذى، بل العكس تماماً، يستحق الدعم المعنوي والنفسي، خاصة أن على المصاب المرور بفترة مرضه معزولاً لوحده، سواء في المنزل أو في المستشفى، إن لزم الأمر ويحتاج منا جميعاً مساعدته لتخطي هذا المرض الذي يفتك بالعالم بأسره .
إن مثل هذه السلوكيات التي يمارسها البعض شاذة وترفضها كل الأخلاقيات والديانات السماوية، بل علينا جميعاً أن نساهم في الرفع من درجة الوعي لدى المجتمع بجميع مكوناته لنستطيع أن ندعم المصاب بفيروس كورونا نفسياً ومعنوياً لا أن نتنمر عليه ونتطير منه، فهذا المرض كغيره من الأمراض المعدية يمكن أن يصيب أي شخص ويتعالج ويشفى منه وعلينا جميعاً مسؤولية جسيمة ألأ وهي رفض المتنمرين، وأن نقف إلى جانب المصاب في عزلته، وخلال فترة علاجه، وأن نحاول قدر الإمكان مناهضة كل أشكال الإساءة النفسية التي يُمكن أن تمارس عليه، كما أن الصحة النفسية لا تقل أهمية عن الجسدية لمواصلة الحياة فجميعنا معرضين للإصابة بالفيروس اللعين فلا نسمح لهذا التنمر أن يجردنا من إنسانيتنا.
ونسأل الله السلامة والعافية للجميع والشفاء للمرضى.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=12499