صدر عن دار النفائس بالقاهرة كتاب بعنوان: “العقيدة الأشعرية ثابت من الثوابت الدينية دراسة في بعض المسائل والقضايا والأعلام” للباحث المغربي الدكتور أمين انقيرة مدير مجلة النبوغ الدولية ورئيس هيئة التحرير بالمجلة الفكرية للتكامل المعرفي وإمام مرشد بالمجلس العلمي المحلي وباحث متعاون مع مركز أبي عمرو الداني التابع للرابطة المحمدية للعلماء.
ويأتي هذا العمل ليسهم في بيان أهمية العقيدة الأشعرية ومكانتها ضمن الثوابت المغربية من جهة، ومن جهة أخرى ليوقف الباحثين على الخصوصية المغربية في مختلف العلوم والفنون.
ومما ورد من كلام المؤلف في سياق الحديث عن أهمية الثوابت الدينية وموضوعات الكتاب باختصار: “فإن المغرب منذ أكثر من اثني عشر قرنا، ظل بلدا شامخا، يقوم على ثوابت دينية متينة، من شأنها الجمع بين مختلف مكونات مجتمعه، فأعطى بذلك صورة الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
وعلى رأس هذه الثوابت إمارة المومنين الحامية للملة والدين، ثم العقيدة الأشعرية التي تمثل منهجا وسطيا يبعد عن كل وجوه التطرف والانحراف، ثم المذهب المالكي الذي كان ولا يزال مواكبا لكل النوازل والمستجدات المعاصرة؛ لأصالة أصوله وتعدد قواعده، ثم التصوف السني الذي يجعل من الطالب ذلك التوازن المطلوب في الأخلاق والقيم، تأسيا بشمائل المصطفى عليه الصلاة والسلام.
ومن هذا المنطلق ارتأينا خدمة الثوابت الدينية والوطنية للمغربية الشريفة حرسها الله، وقد أنجزنا بفضل من الله في أعمال فردية، وأخرى جماعية أشرفنا عليها أكثر من عشرين مجلدا خصوصا في ثابت إمارة المؤمنين، وذلك رغبة منا في الإسهام في خدمة العلم ولو بالقليل، ثم الإسهام من جهة أخرى في خدمة الوطن من خلال ترسيخ هذه الثوابت التي هي سبب للأمن والاستقرار، ولنشر الوسطية والاعتدال، ونبذ كل وجوه التطرف والانحراف.
وتأتي هذه المحاولة اليسيرة لتربطنا بأهمية العقيدة الأشعرية من خلال هذه الموضوعات الثمانية، وهي كالآتي:
الموضوع الأول: السند المغربي للمذهب الأشعري، وذكر فيه الكاتب نماذج من الأسانيد المغربية للمذهب الأشعري من خلال ذكر مسائل أصول الدين والإيمان على مذهب أبي الحسن الأشعري، مع التعريج على جملة من المصنفات المعتمدة والمسندة عند السادة الأشاعرة، ومنها: كتاب رسالة الحرة والتمهيد للباقلاني، وكتاب السنة للهروي، وكتاب الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد وكتاب البرهان وغيرهما للجويني، والكتاب المتوسط في الاعتقاد والكتاب المقسط في شرح المتوسط لابن العربي، ومصنفات علم الكلام للسنوسي.
ثم تكلم الباجث عن دخول المذهب الأشعري إلى المغرب: أعلامه المغاربة ومن أخذوا عنهم من المشارقة، فاقتصرت على الإمام الباقلاني، والإمام الهروي، والإمام الجويني، والإمام ابن فورك.
بعد ذلك تطرق للحديث عن الدرس العقدي الأشعري بالغرب الإسلامي: من حيث أعلامه ومصنفاتهم وقضاياه، واكتفى بستة أئمة أعلام؛ وهم: أبو بكر ابن العربي والقاضي عياض وأحمد بن عمار المهدوي وعثمان السلالجي وجموع الفاسي والميلي.
والموضوع الثاني: خصص لمباحث العقيدة الأشعرية وأثرها في تحقيق الوسطية والاعتدال: وعرج فيه الكاتب على مفهوم الوسطية والاعتدال، ثم أهم مظاهر الوسطية والاعتدال في العقيدة الأشعرية وآثارها.
والموضوع الثالث يخص القراءات القرآنية الواردة في مسائل العقيدة وتوجيهها وتناول فيه الدكتور أمين انقيرة مفهوم العقيدة وصلتها بعلم القراءات، ثم عرج على أثر اختلاف القراءات على مسائل العقيدة، مما يتعلق بالإيمان بالله عز وجل والكتب والرسل، ومسائل الإيمان ومسائل أخرى مختلفة.
والموضوع الرابع تم تخصيصه لنماذج من توجيه القراءات القرآنية الواردة في مسائل العقيدة من خلال تفسير الإمام ابن جزي الغرناطي: وذلك لبيان أهمية التكامل المعرفي بين مختلف العلوم والفنون، بما في ذلك القراءات القرآنية والعقيدة الأشعرية، من خلال قضايا مختلفة؛ كأسماء الله وصفاته وأفعاله، ثم ما يتعلق بالنبوات والسمعيات.
والموضوع الخامس خصص لقاعدة: “جريان القراءة القرآنية على مقتضى أصول الشريعة” ضابطا من ضوابط اعتبار القراءات” التي ذكرها الإمام القيجاطي الحفيد شيخ المنتوري شارح الدرر اللوامع في مسائله، وذكر فيه الباحث نماذج من تحريف الشيعة للقرآن الكريم، ونماذج من تحريف المعتزلة للقرآن.
والموضوع السادس: فقه أسماء الله الحسنى، تأملات في آدابها وثمراتها، وتناول فيه الكاتب الحديث عن الأسماء الحسنى في الكتاب والسنة، مع التعريف بكتاب شرح أسماء الله الحسنى وصاحبه الإمام القشيري، ثم آداب أسماء الله الحسنى التي ينبغي التحلي بها، وذكر منها الآداب الروحية التعبدية، والآداب الأخلاقية السلوكية، والآداب الاجتماعية التنموية.
والموضوع السابع: نماذج من فتاوى علماء الصحراء المغربية في النوازل العقدية قضايا الأسماء والصفات نموذجا، وتكلم فيه الدكتور أمين انقيرة عن النازلة العقدية مفهوما وتأصيلا، ثم عرج على مبحث الأسماء والصفات في المجموعة الكبرى الشاملة لنوازل وفتاوى وأحكام أهل غرب وجنوب غرب الصحراء: بذكر نماذج من أعلامه وموضوعاته.
والموضوع الثامن خصصه لنماذج من إسهامات علماء المغرب الأقصى في التصنيف في علم الأديان”.
وقد قدم للكتاب العلامة الدكتور أسامة الروكي أستاذ التعليم العالي بجامعة ابن زهر بأكادير.
ومما ورد في تقديم الكتاب:
“فإن أولى العلوم بالاشتغال العلوم الشرعية، عقيدة وفقها وسلوكا، ومما لا شك فيه أن علم العقيدة هو أشرف العلوم وأزكاها وأفضلها، فلا أشرف في علوم الدين من معرفة العبد بربه تعالى.
فعلم العقيدة هو أعلى العلوم شأنًا، وأقواها برهانًا، وأوثقها بنيانًا، وأوضحها تبيانًا، فإنه قاعدتها وأساسها، من الكتاب والسُّنة استمداده، وعلى نصوصهما الناصعة اعتماده. ولتعلقه بمعرفه ذات الله تعالى وصفاته وأفعاله وما يجب في حقه سبحانه وما يستحيل وما يجوز.
ومن هذا المنطلق كان لابد من الاعتناء بهذا العلم، وخاصة بأعلامه الأفذاذ الذين وهبوا حياتهم لخدمة العلم، ومؤلفاته المميزة التي ضمت مسائل وقضايا حملت إشعاعا. خاصة العقيدة الأشعرية السنية التي اختارها المغاربة كثابت من الثوابت الدينية.
فأقبل المغاربة عليها لما عرفوه عن قدر ومكانة صاحبها بالتدريس، وتفننوا في شرحها ونظمها، فكانت وما زالت هذه العقيدة السنية حاضرةً بقوةٍ في عقل الأمة ووجدانها وضميرها، وأسهمت على الدوام في توحيد كلمة الأمة الـمغربية، فظل العلماء على مر العصور يغترفون من ينابيعهما فتركوا في ذلك تراثا غنيا، وألفوا المؤلفات العديدة وصنفوا المصنفات الكثيرة، أثبتوا بها جدارتهم وعمق فكرهم ونصاعة آرائهم ورشادة اجتهاداتهم مستندين في تأصيل ذلك على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
إن هذا الكتاب الذي يقدم اليوم إلى القراء هو من عمل باحث مجد مقتدر حريص على الإجادة والإفادة، وقد خبرته فوجدته معتنيا بالعلم الشرعي نزاعا إلى الاشتغال بالثوابت الدينية للمملكة المغربية والعلوم الشرعية وكلياتها، وقد برز لي و لمن يعرفه هذا الاقتدار والاعتناء من خلال كتاباته المميزة على مستوى الكتب المطبوعة له، وكذلك مشاركاته العلمية الرصينة في الندوات الوطنية والدولية، وكذلك تميز المواضيع التي تنشر في المجلات العلمية المحكمة التي يشرف عليها، فهنيئا للقراء بهذا الكتاب الذي لا شك أنه سيأخذ موقعه من الكتب والدراسات التي اهتمت بالثوابت الدينية المغربية عامة، وبالعقيدة الأشعرية بوجه خاص”.