7 مارس 2025 / 12:00

دلالات ظهور وزير الخارجية الأمريكي بصليب الرماد

دين بريس ـ المصطفى الراشيدي
يثير ظهور وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، في مقابلة تلفزيونية وعلى جبينه صليب مرسوم بالرماد، نقاشا واسعا حول العلاقة بين الرموز الدينية والسياسة، فبينما يعتبر البعض أن هذه الممارسة لا تتعدى كونها طقسا دينيا تقليديا في إطار “أربعاء الرماد”، يرى آخرون فيها رسالة رمزية تعكس تداخل الدين بالسياسة، خصوصا في ظل التوترات الجيوسياسية الحالية.

من الناحية الدينية والثقافية، يعد رسم الصليب بالرماد على الجبين تقليدا راسخا لدى المسيحيين الكاثوليك، يجسد فكرة التوبة والاستعداد الروحي لفترة الصوم الكبير، وبناء على ذلك، يرى المؤيدون لهذا الطرح أن ظهور روبيو بهذه العلامة لا يحمل بالضرورة أبعادا سياسية، بل يندرج ضمن الممارسات الدينية التي يحرص عليها ملايين المسيحيين سنويا، ويؤكد هؤلاء أن فهم الحدث في سياقه الطبيعي يمنع إسقاط أي تفسيرات سياسية غير واقعية عليه.

وعلى الجانب الآخر، يعتقد بعض المحللين أن ظهور مسؤول رفيع بهذا الرمز الديني خلال مناقشة قضايا دولية كبرى لا يمكن فصله عن البيئة السياسية التي يعمل فيها، ففي ظل إدارة محافظة بقيادة دونالد ترامب، التي ترتبط بتحالفات قوية مع التيارات المسيحية اليمينية، قد ينظر إلى هذا الظهور كجزء من خطاب يستهدف جمهورا محددا داخل الولايات المتحدة، وبالنسبة لهؤلاء، فإن الدين لا ينفصل عن السياسة، واستخدام الرموز الدينية قد يكون وسيلة لتعزيز الشرعية أو توجيه رسائل ضمنية.

ويتجاوز النقاش ليشمل مقارنة ثقافية بين الغرب والعالم العربي، حيث يرى البعض أن هذه الواقعة تؤكد أن المجتمعات الغربية لم تتخل عن الدين كما يشاع، فيما يعتقد آخرون أن استخدام الرموز الدينية في السياسة ليس مقصورا على ثقافة معينة، بل هو ممارسة عالمية تختلف درجتها وأشكالها من بلد إلى آخر، ففي الدول ذات الأنظمة العلمانية، حتى لو ظهر مسؤول بملامح دينية، يظل الإطار العام مضبوطا بمؤسسات تفصل الدين عن إدارة الدولة، أما في الدول التي تعتمد على الطابع الديني في حكمها، فإن السياسيين غالبا ما يوظفون الرموز الدينية لتعزيز شرعيتهم، وكسب تأييد الشارع، مما يجعل الدين عاملا مؤثرا في المشهد السياسي والاجتماعي، ويعكس مدى تداخل المعتقدات مع السلطة وصنع القرار.

ويبقى السؤال مفتوحا حول مدى تأثير الرموز الدينية على السياسة الخارجية الأمريكية، وما إذا كان ظهور “روبيو” بالصليب مجرد ممارسة دينية شخصية أم أنه يحمل في طياته إشارات ذات مغزى سياسي، وتختلف تفسيرات هذه الواقعة بناء على السياقات الثقافية والسياسية لكل طرف، ويبقى الحكم على الحدث خاضعا لوجهات النظر المختلفة.

وربما يذهب البعض إلى أن ظهور “ماركو روبيو”، وزير الخارجية الأمريكي، بصليب الرماد على جبينه خلال مقابلة تلفزيونية لا يكون حدثا عابرا، بل يكون رسالة مشفرة في توقيت بالغ الحساسية، حيث يتداخل البعد الديني مع الخطاب السياسي في لحظة تشهد فيها الساحة الدولية اضطرابات متصاعدة.

ومع استمرار الصراع الجيوسياسي، يصبح جليا أن الرموز الدينية تتجاوز التعبير عن المعتقدات الشخصية، لتتحول إلى أدوات توظف لخدمة الأجندات السياسية وإعادة تشكيل التحالفات على المستويين الداخلي والدولي.

وتأتي هذه الحركة الدينية في توقيت متزامن مع تصاعد التوترات حول تعليق إدارة ترامب للمساعدات العسكرية والاستخباراتية لكييف، وهذا القرار لا ينفصل عن سياق أوسع يتمثل في إعادة رسم خارطة التحالفات الدولية، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى التراجع المدروس عن بعض التزاماتها التقليدية، وإعادة تعريف دورها في النظام العالمي وفقا لمعادلة المصلحة الصرفة.

لذلك يرى البعض أنه لا يمكن فصل هذا الرمز، في مجتمع أمريكي يشهد استقطابا متزايدا، عن الديناميكيات الداخلية، حيث تتجه إدارة ترامب نحو تعميق علاقتها بالقاعدة المسيحية المحافظة، التي تعتبر أوكرانيا قضية ثانوية مقارنة بأولوياتها الثقافية والدينية داخل الولايات المتحدة، وهذا النهج لا يكون جديدا، فقد استخدمت إدارات أمريكية سابقة الخطاب الديني كأداة للحشد والتبرير، بدء من جورج بوش الابن، الذي أضفي بعدا دينيا على “الحرب على الإرهاب”، وصولا إلى ترامب، الذي يبني تحالفا وثيقا مع الجماعات الإنجيلية، ويقدم نفسه كمدافع عن “القيم المسيحية” في مواجهة ما يعتبره تمددا للعلمانية الليبرالية.

وربما تعبر إدارة ترامب عبر مثل هذه الإشارات عن رغبتها في إعادة إنتاج رمزية مسيحية موجهة للداخل الأمريكي، حيث يخوض الحزب الجمهوري معركة وجودية ضد التيارات الليبرالية في الداخل، وهذا يعكس إدراكا عميقا بأن الصراعات الكبرى تحسم أيضا في ساحات الخطاب، حيث تتحول الرموز إلى أدوات لإعادة تشكيل الوعي الجماعي وتوجيه الرأي العام.

والسؤال الأهم هنا لا يكون هو لماذا يظهر روبيو بالصليب، بل ماذا تعني هذه الإشارة في سياق التحولات الجارية؟ هل نحن أمام مجرد ممارسة دينية شخصية، أم أن هذا المشهد يعكس تحولا في طريقة تواصل النخبة السياسية الأمريكية مع جمهورها؟ وهل يمثل هذا المشهد مقدمة لتحولات أكثر عمقا في السياسة الخارجية الأمريكية؟

في عالم السياسة، التفاصيل لا تكون مجرد تفاصيل، بل تكون شفرات يتم بثها بعناية، وظهور “روبيو” في هذا التوقيت، بهذا الرمز، وبهذا الخطاب، ربما يشير إلى أن الولايات المتحدة تكون بصدد إعادة تعريف هويتها السياسية داخليا، في معركة تمتد من كييف إلى واشنطن، ومن ساحات الحرب إلى شاشات الإعلام، حيث تتحول الرموز الدينية إلى أدوات ترميز استراتيجي في حرب باردة جديدة، لكنها هذه المرة أكثر تعقيدا من ذي قبل.