محمد أومليل
عنوان “الفصل الرابع”، من بحثنا المتواضع، هو: “الدراسات القرآنية الجديدة”، يليه “الفصل الخامس” تحت عنوان: “الدراسات القرآنية الحديثة”؛ فما الفرق بين التجديد والتحديث؟
كان لزاما علي من باب الوضوح المنهجي والمفهومي توضيح الفرق بين المفهومين.
نقصد بمفهوم “التجديد”؛ القيام بعملية تغييرية لـ”الدراسات القرآنية” من داخل منظومة “الدراسات القرآنية التقليدية” من حيث المناهج المعتمدة ومنطقها الداخلي وقواعدها العامة المتعارف عليها بين أهل العلم في الدراسات الإسلامية بشكل عام والدراسات القرآنية على وجه الخصوص، كون عملية “التجديد” ليست طفرة إبستيمولوجية صادمة مغايرة ومتباينة مع سابقتها، بل هي سيرورة مع تغيير نسبي في الصيرورة لا تحدث ضجيجا كبيرا ولا جدلا واسعا.
عملية “التجديد” تطرأ في حدود بعض الإضافات والتوسع في التفريعات، كما سوف نلاحظ ذلك في “علوم القرآن” بشهادة ممن ساهموا بإضافات وتفريعات مثل الزركشي والسيوطي.
وهذا النوع من “التجديد” هو ما أشار إليه الحديث النبوي: “يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها “، أو ” جددوا إيمانكم، قالوا: كيف نجدد إيماننا يا رسول الله؟ قال: أكثروا من ذكر لا إله إلا الله “.
لا يعني مفهوم “التجديد” في الحديثين التبديل أو التحويل، بل المراد به التذكير بأصول الدين وعدم الخروج عنه، وبأصول الإيمان وضرورة ترسيخه في القلب والسلوك، وإزالة ما زاد عليهما من شوائب وبدع ومما يندرج ضمن “دين الشركاء” حفاظا على أصالته وصفائه.
أما ما له علاقة بالدراسات الإسلامية عموما والدراسات القرآنية خصوصا؛ فلا علاقة لهما بما تقدم ذكره، بل موضوعه الأساس ما له علاقة بالعمران، والعلوم والفكر والأدب والفنون، والقوانين الناظمة للعلاقات الإنسانية، والسنن الناظمة للآفاق والأنفس التي هي في أمس الحاجة إلى سقف معرفي عال يناسب، بنسبة معينة، السقف المعرفي القرآني والتوسل بمناهج حديثة بغية تأسيس “دراسة قرآنية حديثة”.
ونقصد بمفهوم “التحديث” (الذي منحناه للدراسات المقبلة “الدراسات القرآنية الحديثة”)، مرحلة تاريخية أوروبية، ظهرت بعد مرحلة النهضة، في القرن الخامس عشر الميلادي وما بعده؛ تلك الحداثة الأوروبية كان لها تأثير على العالم قاطبة بما في ذلك العالم الإسلامي مع الاختلاف في الدرجة؛ ضمن مجال القيم المادية والقيم المعنوية، وإن كانت للأولى تأثير أكثر من الثانية؛ أي الحداثة في مجال الصناعة والتكنولجيا والأجهزة..، كان تأثيرها أقوى وانتشارها أوسع، بخلاف مجال العلوم والمعارف والأفكار والمناهج؛ كان تأثيرها أقل، لا سيما في العالم العربي.
ورغم تلك النسبة الضئيلة من حيث التأثير الحداثي المعرفي؛ كان هناك تفاعل مزدوج من قبل بعض أهل العلم في الدراسات الإسلامية بشكل عام والدراسات القرآنية على وجه الخصوص، تفاعل مزدوج؛ نقدا موضوعيا واستدراكا ذاتيا.
عملية “التجديد” إذن، تفاعل ذاتي داخلي غير صادم. بخلاف عملية “التحديث”؛ تفاعل مع الوافد للخارجي، ينتج عنه ما هو صادم ومثير للجدل.
ونرى أن الفرق بين “التجديد” و”التحديث”، مرده إلى أن هذا الأخير مناهجه ومفاهيمه وأهدافه وسقفه المعرفي مخالف للأول المحافظ على ما هو قديم تقليدي كلاسيكي؛ مخافة الوقوع في “البدعة”؛ تهمة جاهزة، آنذاك، ضد كل من أتى بأمر محدث خارج عن العادة والمألوف!
عموما “التجديد” مجاله الشكل، رهين بقياس جاهز لا يمكن الخروج عنه وعلى أساسه يتم الاجتهاد والاستنباط، بخلاف “التحديث” مجاله المضمون؛ من خلال النقد والاستدراك والرصد والاستقراء على أساس مناهج حديثة وسقف معرفي عال يفرضه قانون الصيرورة والتطور.
استنادا على ما تقدم، نكون قد وضحنا الفرق بين “الدراسات القرآنية الجديدة” و”الدراسات القرآنية الحديثة” التي سوف نتطرق إليها في “الفصل الخامس”.
سأتناول موضوع هذا الفصل الذي نحن بصدد الاشتغال عليه بنفس المنهج الذي تناولنا به “الدراسات القرآنية القديمة”؛ مقتصرا على الرصد والسرد دون نقد أو استدراك متوسلا بالرؤية الموضوعية ما أمكن، مرجئا مجال النقد إلى “الدراسة القرآنية الحديثة” و”الدراسات القرآنية المعاصرة”.