تشير الأدلة الأثرية والنصوص الدينية إلى أن المصريين القدماء قد استخدموا مستحضرات ذات تأثير نفسي في طقوس دينية تهدف إلى الوصول إلى حالات وعي مغايرة، ربما لتحقيق اتصال بالعوالم الأخرى أو لاكتساب رؤى نبوئية.
وكشفت دراسة حديثة نشرت في مجلة Scientific Reports عن وجود مواد ذات تأثير نفسي داخل كأس طقوسي مصري يعود إلى العصر البطلمي، يعرف باسم “كأس بس” (The Bes Cup)، ووجدت في هذا الإناء آثار للكحول، العسل، الحرمل السوري، إضافة إلى بقايا نباتية وسوائل بشرية، وهي مكونات تدل على استخدامه في طقوس ذات بعد ديني وروحي.
ويستخدم الحرمل السوري، المعروف بخصائصه المهلوسة، منذ العصور القديمة في ممارسات دينية مختلفة، وكان يعتقد أنه يفتح المجال لتلقي رؤى وأحلام ذات طابع نبوئي، وتحليل بقايا هذا النبات في كأس “بس” يدعم الفرضية القائلة بأن المصريين القدماء استخدموا المواد ذات التأثير النفسي في طقوس “حضانات الأحلام” (Dream Incubation)، وهي ممارسات تهدف إلى استحضار رؤى نبوئية عبر النوم داخل أماكن مقدسة، مثل معابد الإله “بس” في سقارة، حيث كان الكهنة يشرفون على هذه الطقوس لضمان وصول المشاركين إلى حالات وعي تمكنهم من تلقي إشارات من العالم الروحي.
وتحمل الأساطير المصرية نفسها إشارات واضحة إلى استخدام مواد ذات تأثير نفسي، مثل أسطورة عين الشمس، التي تتحدث عن تحول الإلهة “حتحور” إلى كيان متعطش للدماء، تكشف عن دور المواد المسكرة في التحولات الروحية.
وحسب الرواية، قام الإله “بس” بتحضير مشروب كحولي ممزوج بمادة نباتية مهلوسة، ثم خدع “حتحور” بجعلها تعتقد أنه دم، ما أدى إلى دخولها في حالة نشوة أفقدتها رغبتها في العنف، وأعادتها إلى حالتها الرحيمة، هذا المشهد يعكس ممارسات حقيقية قد تكون قد جرت ضمن الطقوس المصرية، حيث يستخدم الشراب الممزوج بالمواد المخدرة لتحقيق تحولات روحية وإحداث تغيير في الوعي.
وترتبط هذه الأسطورة مباشرة بمهرجان سنوي عُرف بـ”مهرجان السكر”، وهو احتفال ديني كان يقام تكريما للإلهة “حتحور”، حيث كان الناس يستهلكون كميات كبيرة من الجعة في سياق شعائري يهدف إلى إعادة تمثيل التحول من الغضب المدمر إلى الرحمة والحياة.
وبعض الباحثين يشيرون إلى أن هذا المهرجان لم يكن مجرد احتفال، بل كان جزء من ممارسة دينية أوسع تتضمن استخدام المشروبات المحضرة بمواد ذات تأثير نفسي بهدف تحقيق تجربة روحية جماعية.
وتعزز الدراسات الحديثة، إلى جانب الأدلة الأثرية والأساطير المصرية، فرضية أن استخدام المستحضرات ذات التأثير النفسي لم يكن مجرد تصرف هامشي، بل كان جزء من منظومة دينية متكاملة تهدف إلى استكشاف الأبعاد الروحية للعالم. ب
وتبدو الحضارة المصرية القديمة، بين حضانات الأحلام والمشروبات الطقوسية والأساطير التي تصف تأثيرات هذه المواد، كنموذج لحضارات عديدة استخدمت المواد الطبيعية لتحقيق حالات وعي متغيرة، إما للاتصال بالآلهة أو للوصول إلى معرفة تتجاوز الإدراك العادي.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=23774