حين يصبح التشكيك خطرا..

دينبريس
افتتاحية
دينبريس23 فبراير 2025آخر تحديث : الأحد 23 فبراير 2025 - 9:47 صباحًا
حين يصبح التشكيك خطرا..

دين بريس
لا يوجد ما هو أكثر خطورة على استقرار الدول من الاستهانة بقراءة التهديدات الأمنية، خاصة في عالم تحكمه التحولات المتسارعة، حيث تتشابك المصالح وتتعقد التوازنات، ويتحول الأمن إلى معادلة دقيقة تمتزج فيها الاستخبارات بالسياسة، والجغرافيا بالتكنولوجيا.

ومع الأسف، لا يزال البعض ينظر إلى هذه التعقيدات بسذاجة مقلقة، متجاهلا طبيعة المخاطر، بل ومشككا في وجودها من الأساس..

ومن الطبيعي أن تطرح الأسئلة حول السياسات والعمليات الأمنية، فهذا جزء من النقاش العمومي الصحي، لكن المشكلة الحقيقية تبدأ عندما يتحول التساؤل إلى إنكار مطلق، وحين يصبح التشكيك أداة للهدم بدلا من البحث عن الحقيقة.

وهناك من يتعامل مع قضية الإرهاب على أنه تهديد بعيد أو مقتصر على التقارير الإعلامية، رغم أن الوقائع تشير إلى استمرار وجود هذه الجماعات ونشاطها في سياقات مختلفة، ويطرح بعض الخطاب العام تساؤلات حول السياسات الأمنية، مما يؤدي أحيانا إلى تصوير المؤسسات المعنية وكأنها موضع مساءلة، وهو ما يستدعي فهما حقيقيا لادراك التوازن بين متطلبات الأمن وضمان الحريات.

ويبنبغي الاعتراف أن المنهجية الوقائية التي برع فيها المغرب هي التي مكنته من تجنب الفوضى التي اجتاحت دولا لم تدرك أهمية بناء جدار أمني حصين في الوقت المناسب، وبالرغم من كل هذه المجهودات المشهودة مازالت بعض الأصوات تصر، خاصة في الفضاء الرقمي، على التقليل من قيمة هذه الجهود، غافلين عن أن وهم “الطمأنينة الزائفة” يشكل في حد ذاته تهديدا للأمن القومي، فالتنظيمات الإرهابية لا تحتاج إلا إلى ثغرة صغيرة، أو لحظة غفلة، أو تراخ مجتمعي، لتعيد ترتيب أوراقها، وعندها يصبح التشكيك المستمر، عن قصد أو عن غير قصد، أداة تمنحها هامشا أوسع للحركة والتخفي.

لقد أثبت التاريخ القريب أن الإرهاب ليس ظاهرة عشوائية، وإنما هو مشروع قائم على الاستقطاب والاستغلال الذكي للثغرات، والبحث عن مناطق الفراغ الأمني، وقد شهد العالم كيف دفعت المجتمعات التي استهانت بالخطر ثمنا باهظا حين وجدت نفسها فجأة في قلب العاصفة.

وهذا لا يعني أن النقاش حول السياسات الأمنية غير مشروع، بل على العكس، هو ضرورة، لكن بشرط أن يكون نقاشا واعيا، مدركا لتعقيدات المشهد، ومتوازنا بين قيم الحرية ومتطلبات الاستقرار، فالأمن هو منظومة دقيقة تحكمها معادلة بين الانفتاح واليقظة، وأي اختلال في هذا التوازن يؤدي إلى تداعيات خطيرة لا يتحملها إلا المجتمع بأسره.

وتظهر التجارب السابقة أن التطرف يمكن أن يجد بيئة مناسبة للانتشار في حالات الفراغ الأمني والفكري، خاصة في المجتمعات التي تفتقر إلى الوعي الكافي بطبيعة التحديات الأمنية، ومن هذا المنطلق، يمثل الحفاظ على الأمن عاملا أساسيا في تحقيق الاستقرار وضمان التوازن بين متطلبات الحماية والحريات.

رابط مختصر
كلمات دليلية

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.