بوشعيب شكير
ليس موت الأطفال في غزة ما يُفجعنا فحسب، بل موت الضمير العالمي، وتفسخ منظومة القيم التي ادّعت يومًا الدفاع عن الإنسانية. لا شيء يعبّر عن القهر أكثر من مشهد أم تُفتّش بين الركام عن قطعة من ابنها، ولا شيء يُفضح حضارة الغرب أكثر من صمتها على الإبادة، أو تواطئها معها.
إن ما تفعله إسرائيل في فلسطين ليس مجرد حرب. إنه سقوط أخلاقي مدوٍ لدولة قامت على النكبة، وتغذت على العنصرية، وتعيش اليوم على المجازر. كل صاروخ يسقط، يسقط معه وهم “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”. كل صرخة طفل، تمزق معها أقنعة الليبرالية الكاذبة، وتُسقط أوراق التوت عن عواصم القرار.
لكن وسط هذا العار، تلمع مواقف نادرة، كأضواء في ليل كثيف. من بين هذه الأصوات القليلة، يبرز صوت الصحفي والكاتب الأمريكي كريس هيدجيز، بتوجهه اليساري النقدي الجذري، والمناهض للعسكرة والإمبريالية. هيدجيز، الذي خبر آلة الكذب من داخلها خلال عمله كمراسل حربي لسنوات، لم يتردد في فضح الوجه الحقيقي لأمريكا، ولا في تسمية ما يحدث في غزة بما هو عليه: إبادة جماعية.
في مقاله الجريء “موت إسرائيل”، لم يُهادن، ولم يُساير، بل قال الحقيقة كما هي، بلا تزييف ولا رتوش. لم يكن موقفه عابرًا ولا انفعاليًا، بل امتدادًا لفكر يساري حر، يرى في مقاومة الظلم واجبًا، وفي الدفاع عن المقهورين التزامًا أخلاقيًا لا يُساوَم عليه.
غزة ليست فقط مجزرة على الهواء، بل مرآة تكشف إلى أي دركٍ انحدرت البشرية. وأمام هذا الدم النازف، لم نعد نطالب العالم بأن يساند الفلسطينيين، بل فقط أن يتوقف عن الكذب.