محمد علي لعموري
لم يكن صدفة أن اختار إرهابيو الداخل – ذات 16 ماي من عام 2003 – والمغرر بهم من طرف إرهابيي الخارج، ومنظري الفكر المتطرف المحرض على العنف ضد كل من لا ينتمي -فكرا وسلوكا- إلى الفكر السلفي الجهادي، قلت لم يكن صدفة أن ينفذ أولئك الإرهابيون عملية إجرامية بمدينة الدار البيضاء في ذلك التاريخ بعدد من المواقع تنفيذا لمخطط مدروس ومحبوك قصد زعزعة استقرار المملكة، واستهداف الوجه السياحي لها، ببعث رسائل إلى الخارج أن المغرب لم يعد آمنا من الناحية السياحية، وأن يكون ذلك الحادث متزامنا مع مناسبة جد دقيقة وهي العيد الوطني للشرطة.
التوقيت والتنفيذ وما خلفاه من إرباك لدى السلطات الأمنية، ومن ضحايا أبرياء، كان يروم توجيه رسائل إرهابية من طرف مخططي ومحرضي عناصر التنفيذ من شباب يجهل خلفيات ذلك وإن كانوا يدركون تداعياته على المستوى الوطني والدولي.
16 ماي الأليمة ظلت في ذاكرة المغاربة شاهدة على قبح الفكرة وبشاعة التنفيذ، وخسة العقل المدبر، وسذاجة التابعين ؛ اعتقادا وتنفيذا ؛ لهذا الفكر الإرهابي العابر للقارات.
أحداث 16 ماي الإرهابية كان لها ما بعدها، إذ عمدت الدولة إلى تمرير قانون الإرهاب رغما عن أنف الحزب الإسلاموي الذي كان في المعارضة وقتها، والذي يحكم اليوم بعد تقليم أظافره، واجتثات منابع الإرهاب باتخاذ حزمة من التدابير الأمنية والوقائية، وذلك باعتقال العديد من أنصار السلفية الجهادية بالمغرب، والقضاء تدريجيا على أحزمة البؤس والفقر بعدد من بؤر تفريخ العناصر المؤيدة للفكر السلفي الجهادي، وخاصة “دوار طوما” الذي ينحدر منه منفذو تلك العمليات الإجرامية عام 2003، وإعادة هيكلة الحقل الديني، وذلك باستبدال الفكر السلفي الذي كان منتشرا قبلا بمباركة من الدولة أيام الملك الراحل الحسن الثاني، ووزير داخليته ادريس البصري ووزير الاوقاف السابق الراحل عبد الكبير العلوي المدغري..بأن عهدت الدولة للوزير “المتصوف” البوتشيشي أحمد توفيق عملية تدبير الحقل الديني من زاوية منفتحة على روح العصر، ومحاربة كل مظاهر التطرف في الدعوة والتبليغ والدروس، بتكوين الأئمة والقيمين الدينيين على قيم الحداثة والتسامح وروحانية الإسلام المغربي الذي يعتمد المالكية مذهبا والأشعرية عقيدة والفكر الصوفي للإمام الجنيد، وذلك بناء على الرؤية الصوفية المتجسدة في منظومة عبد الواحد بن عاشر.
ننتقل من تاريخ وذكرى 16 ماي الأليمة، للحديث عن اليوم الذي يعقبه وهو 17 ماي الذي لا يعني للمغرب وللمغاربة شيئا من ذكرى أو عيد أو مناسبة إلا ما كان يعنيه دوما لدى مجتمع الميم على الصعيد الدولي عيدا للفخر بالنسبة للذين ينتسبون إليه كمجتمع صغير حجما وعددا، متنوع ألوانا وهويات جندرية. إنه مجتمع المثليين والمثليات، ومزدوجي الجنس والمزدوجات، والمتحولين والمتحولات، والعابرين والعابرات…الخ.
إن تاريخ 17 ماي يرمز إلى اليوم العالمي بمناهضة رهاب المثلية حيث يرفع مجتمع الميم ؛ على تنوعه ؛ علم الفخر بألوان قوس قزح للتعبير عن صوت هذه الفئات التي تندرج ضمن مجتمع الأقليات الجنسية والجندرية، والتي مازالت تعاني من الوصم والتمييز والرهاب والعنف بشتى أنواعه..مما يجعل هذه المناسبة محطة للتذكير بمعاناة منتسبي هذا المجتمع الصغير في البلاد التي ترفض وجودهم وتحاربه بعقوبات حبسية وأخرى حدية تصل حد التصفية الجسدية، ناهيك عن رهاب المجتمع واضطهاده لهم تحت ذريعة الأخلاق والقانون والدين والثقافة الذكورية السائدة.
إن حدث 16 ماي كان انتهاكا صارخا لحق الإنسان في الحياة، ومصادرة الحق في الاختلاف من طرف دعاة الفكر الديني المتطرف الذي يقدم صورة إرهابية لفلسفة الدين، بينما مناسبة 17 ماي فتظل محطة سنوية للتذكير بالإنتهاكات التي تطال فئة صغيرة من مجتمع الميم الذين يعانون من رهاب المجتمع، وعنف القوانين المجرمة للمثلية، وقسوة كل أشكال الوصم والتمييز التي تصادر حرية الأفراد وتمارس عليهم شتى صنوف العنف الرمزي والمادي والقانوني…
فما بين 16 ماي و17 ماي هناك ترادف بين مناسبتين كلتاهما ترمزان إلى مصادرة الحق الإنساني باسم المقدس وباسم الميتافيزيقا.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=14510