سعيد الزياني
رحل جيمي سواجارت Jimmy Swaggart، أحد أبرز الوعاظ التلفزيونيين في الولايات المتحدة، عن عمر ناهز التسعين عاما، بعد مسيرة امتدت لأكثر من سبعة عقود جمع فيها بين التبشير الديني والفضائح الأخلاقية، مما جعله شخصية مثيرة للجدل في التاريخ المعاصر للكنيسة الإنجيلية الأمريكية.
وُلد في قرية صغيرة بولاية لويزيانا لأسرة متدينة، امتلك موهبة موسيقية مبكرة، وشارك منذ طفولته في التراتيل الكنسية، قبل أن يتجه لاحقا إلى الوعظ.
في بداياته، عمل في حقول النفط وعاش حياة متواضعة، لكنه ما لبث أن دخل مجال الإذاعة الدينية ثم التلفزيون، مستغلا كاريزمته الشخصية وصوته الدافئ في التبشير، حتى أصبح واحدا من رواد التبشير المتلفز، إلى جانب أسماء مثل جيري فالويل وبات روبرتسون.
بلغت شهرة سواجارت ذروتها في الثمانينيات، حين كانت برامجه تُبث في أكثر من مائة دولة ويشاهدها ملايين حول العالم، وتجاوزت إيرادات وزارته مئة وأربعين مليون دولار سنويا، وامتلك مجمعا ضخما في باتون روج، يضم كنيسة تتسع لسبعة آلاف شخص، واستوديوهات للبث والإنتاج الإعلامي، وكلية لاهوتية، كما أصدر ألبومات غنائية ومطبوعات دينية لاقت رواجا واسعا.
ولم تكن شهرته محصورة في أمريكا فقط، بل امتد تأثيره إلى جمهور دولي، خاصة في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا، حيث وجد خطابه العاطفي المحافظ صدى لدى قطاعات واسعة من المؤمنين الإنجيليين.
لكن مسيرته شهدت انهيارا دراميا عندما تفجرت أولى فضائحه الأخلاقية في عام 1988، إثر نشر صور له مع امرأة تعمل في مجال الدعارة في فندق بمدينة نيو أورلينز.
ووقف حينها أمام كاميرات التلفزيون باكيا وهو يردد عبارته الشهيرة: “لقد أخطأت في حقكم… أرجو منكم أن تسامحوني”، ولم يتطرق آنذاك إلى تفاصيل الواقعة، لكن المشهد الذي اختلط فيه الندم بالدعاء، أصبح علامة فارقة في تاريخ البث الديني.
ولم تشفع له دموعه أمام المؤسسة الدينية، إذ قررت الكنيسة التي ينتمي إليها تجريده من صفته الدينية بعد رفضه الالتزام بفترة تأديبية وتوقف عن الوعظ لمدة عامين، فاختار الانفصال عنها، مبررا موقفه برغبته في إنقاذ مؤسسته التبشيرية من الانهيار.
ورغم وعوده بعدم التكرار، عاد اسمه للواجهة بعد ثلاث سنوات فقط، حين أوقفته شرطة كاليفورنيا وهو برفقة امرأة أخرى تعمل في الدعارة، ليتبنى هذه المرة موقفا متصلبا، إذ صرح في بث لاحق: “ما حدث لا يعنيكم في شيء، هذا أمر بيني وبين الرب”.
هذا السلوك زاد من عزلة سواجارت داخل الدوائر المسيحية المحافظة، التي كانت قد بدأت بالفعل في مراجعة علاقتها بظاهرة التبشير المتلفز التي ارتبطت بعدة فضائح أخلاقية ومالية في تلك الفترة، ومثلما صعد بسرعة مذهلة، تهاوت إمبراطوريته الدعوية تدريجيا، إذ خسر ملايين المتابعين، وتقلصت الموارد، وانخفضت شبكة البث التي كان يسيطر عليها.
وفي السنوات الأخيرة من حياته، قل ظهوره الإعلامي واقتصر حضوره على البث المحلي، بمشاركة ابنه دوني سواجارت، الذي واصل التبشير إلى جانبه، وأعلن بعد وفاته أنه سيكمل مسيرته في نشر الإنجيل وتوزيع الأناجيل حول العالم.
وعلى الرغم من أن سواجارت خسر سمعته الأخلاقية ومكانته الدينية الواسعة، فإن بعض المراقبين يعتبرونه من المؤسسين الفعليين لنمط التبشير التلفزيوني المعاصر، بكل ما يحمله من قوة رمزية، وتداخل بين الدين، الإعلام، والمال.
وخلّف إرثا كبيرا في بنية الإعلام الديني، عبر شبكة البث التي أسسها، والكتب والمطبوعات والموسيقى الإنجيلية التي نشرها، والأثر العاطفي الذي خلفه في وجدان الملايين.
ترك جيمي سواجارت خلفه وصية غير مكتوبة عن هشاشة القداسة حين تغويها الكاميرا وتبتلعها الشهوة..