30 سبتمبر 2025 / 09:41

جيل زيد: احتجاج متحرك في فضاءات بلا مركز

شكير بوشعيب
يمثل جيل زيد في المغرب موجة ثالثة من الاحتجاج تختلف جذريًا عن الموجتين السابقتين. فالموجة الأولى بعد الاستقلال كانت مرتبطة بالحزب والنقابة كمراكز للوعي، والموجة الثانية، بما فيها حركة 20 فبراير، ركزت على مطالب سياسية محددة مثل الإصلاحات الدستورية والملكية البرلمانية، حيث كانت الساحات العامة والمنصات الرقمية أدوات للتعبير عن رؤية سياسية مركزية.

بينما اليوم يتحرك جيل زيد في فضاء مفتوح ومتعدد المراكز، لا يوجد مكان ثابت للاحتجاج؛ فقد يكون في الشارع، الملعب، المقهى، المدرسة أو الجامعة، وأحيانًا على الإنترنت، لتنتج شبكات سيّالة من التعبيرات والممارسات الاجتماعية والسياسية.

التركيز هنا ليس على المطالب السياسية الكبرى، بل على مطالب اجتماعية صرفة تشمل العمل والتعليم والصحة والسكن، مما يبرز الفارق الجوهري بين الموجتين الثانية والثالثة.

الوعي السياسي والاجتماعي لهذا الجيل لا يتولد من مركز محدد أو مرجع ثابت، بل من شبكة متحركة من الفضاءات والتفاعلات اليومية، حيث كل فعل احتجاجي يترك أثرًا مؤقتًا ويتلاشى ليظهر أثر آخر في مكان مختلف.

هذا الطابع اللامركزي، حيث يغيب المركز النهائي وتظل المعاني مفتوحة على التأويلات المتعددة، يعكس بشكل غير مباشر فكرة أن كل احتجاج هو نص دائم الانفتاح على الاحتمالات، وأن السلطة والمعنى يتشكلان من الاختلافات المستمرة بين الفضاءات والممارسات، لا من مرجع صلب يمكن السيطرة عليه.

تتضح خصوصية هذه الموجة عند النظر إلى التحولات الميديولوجية التي تصنعها الوسائط الحديثة: كل فضاء تواصلي، سواء كان الإنترنت أو التلفزيون أو المقاهي، يعيد تشكيل الوعي والممارسة، تمامًا كما تشير الدراسات الغربية، بما في ذلك أطروحات بيير بورديو حول رأس المال الرمزي والاجتماعي، إلى أن كل فضاء يمتلك القدرة على إنتاج وعي خاص به، حيث لا يعود المعنى محصورًا في مركز واحد، بل يتولد في شبكة من التفاعلات والرموز المتغيرة.

هذا يفسر كيف أن مطالب الشباب، رغم تناثرها الظاهر، تتجمع حول محاور أساسية للعدالة الاجتماعية والمجالية، كما تتحول كل منصة أو مساحة للتجمع إلى مركز مؤقت للوعي يعكس طبيعة السياسة اليومية المتحركة.

الأسباب الاقتصادية والاجتماعية تشكل الأرضية المادية لهذا الحراك: البطالة تمثل نحو 47% من الشباب، وفقدان العمل تجاوز 108 آلاف شخص في العالم القروي، في حين وصل التضخم إلى مستويات تؤثر على القدرة الشرائية للأسر.

هذه الظروف تتقاطع مع التحولات الميديولوجية، حيث يصبح الاحتجاج مساحة لتجريب أشكال جديدة للسياسة اليومية، مبنية على تراكم الاختلافات والتفاعلات بين الفضاء المادي والرقمي، دون الحاجة إلى قيادة مركزية أو نصوص أيديولوجية نهائية.

كل فعل احتجاجي يترك أثرًا مؤقتًا، وكل منصة أو فضاء جديد يشكل مركزًا لحظيًا للوعي، بينما يظل المعنى السياسي والاجتماعي دائم التغير والانفتاح على التأويلات المختلفة.

تكشف الأرقام عمق الأزمة وإلحاح المطالب: 12 مليون شاب وشابة بين 15 و40 سنة، 40% بلا عمل، 60% يحلمون بالهجرة، و331 ألف تلميذ يغادرون المدرسة سنويًا دون مهارات أساسية.

هذه المعطيات تؤكد أن جيل زيد يشكل قوة محركة للتغيير، قادر على إعادة صياغة العلاقة بين الشباب والسلطة والمجتمع، شرط أن يجد الفضاء والفرص اللازمة للتعبير عن نفسه.

الاحتجاج اليوم ليس مجرد انفجار عفوي، بل نتاج تراكمات اجتماعية واقتصادية وثقافية، يظهر فيه طلب واضح على العدالة الاجتماعية والمجالية، ويعكس وعيًا سياسيًا متحركًا، متعدد المراكز، ومفتوحًا على الاختلاف والتجدد المستمر، مع تركيز على ما هو اجتماعي صميمًا بعيدًا عن المطالب السياسية التقليدية.

لكن في ظل هذا الحراك المتحرك واللامركزي، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يمكن لهذا الجيل، الذي يتسم بالوعي والتحرك اليومي المتجدد، أن يحول طاقته الاجتماعية والسياسية إلى تأثير مستدام، في ظل غياب الحنكة السياسية والقدرة على إدارة المعارك المعقدة، أم أن طبيعة كل احتجاج مؤقتة ستظل تحدد حدود فعاليته؟