جائحة وباء كورونا وإشكالية دفن ونقل جثامين الجالية المسلمة للبلد الأصلي

دينبريس
2020-04-19T22:55:21+01:00
featuredعبر العالم
دينبريس19 أبريل 2020آخر تحديث : الأحد 19 أبريل 2020 - 10:55 مساءً
جائحة وباء كورونا وإشكالية دفن ونقل جثامين الجالية المسلمة للبلد الأصلي

سمير رزقي
مع بداية جائحة وباء كورونا وقرار المغرب إغلاق حدوده في ١٣ مارس الماضي كإجراء احترازي لمنع انتشار هذا المرض عبر الحدود، أصبحت الجالية المغربية بأرض المهجر تتخبط في مشكل نقل و دفن الجثامين إلى المغرب كما اعتادت على ذلك من قبل من خلال المساطر المعمول بها إما من خلال تكفل شركات التأمين أو تكفل الدولة المغربية عن طريق الوزارة المكلفة بالجالية بالمصاريف بالنسبة للأشخاص المعوزين.

و مع إغلاق الحدود، أصبحت الجالية المغربية في فرنسا على غرار الدول الأوربية تواجه تحدّيا آخر متمثلا في إيجاد أماكن للدفن مخصصة للجالية المسلمة خاصة في ظل الارتفاع الكبير لعدد الوفيات في دول الاستقبال بسبب ضحايا فيروس كورونا.

فبعدما تعالت الأصوات في البداية لتنديد بعدم إمكانية نقل الجثامين للمغرب بسبب جائحة وباء كورونا و غلق الحدود، أصبحت أصوات الجالية و الفعاليات المهتمة بشأن الديني في فرنسا تطالب بإيجاد حلول لدفن المسلمين في أماكن و مقابر تحترم خصوصيتهم الدينية و شعائرهم بهذا البلد. و مع توالي الأيام و ارتفاع عدد الموتى و استمرار الحجر الصحي تفاقمت الأمور و أصبح على ذوي موتى الجالية المسلمة الانتظار لأيام عديدة قبل إمكانية دفن أموتاهم.

إن هذا الوضع هو وليد ترسبات قديمة لمسألة دفن أفراد الجالية المسلمة بالخارج و منها ما هو متعلق بأسباب مرتبطة بنمط تفكير وعيش أعضاء هذه الجالية بأرض المهجر و أخرى مرتبطة بتسيير السلطات الفرنسية و الساهرين على الشأن الديني لهذا الملف.

إن العوامل الثقافية والدينية المرتبطة بهذه الجالية تجعل من دفن الجثامين بأرض البلد الأصلي معطى لا محيد عنه، فبغض النظر عن الخلفيات الثقافية والاجتماعية للجيل الأول و الثاني من المهاجرين في هذا الباب، ظلت هذه الممارسة راسخة لذى الجالية المغربية والمسلمة بكافة أطيافها و مشاربها.

فبالفعل العودة لأرض الوطن و لو في تابوت، عهد اتخذه الجميع على نفسه. فهو عربون على العودة للأهل ووفاء للوطن والأحباب بعد طول الغياب و التزام ديني بأن يوارى التراب في أرض الإسلام. و لحد الآن، اشتركت كافة أطياف الجالية بالخارج بغض النظر على اختلاف مشاربها الثقافية والاجتماعية و قوة المعتقد الديني على العودة للوطن الأم عند الوفاة. و من بين النقاط التي تشغل بال المهاجرين عند الوصول لأرض المهجر بعد تسوية وضعيتهم القانونية، هي مسألة اتخاذ تأمين لضمان رجوع جثمانهم للوطن عند الوفاة وإن اقتضى الأمر أخذ العهد على ذويهم لتنفيذ هذه الوصية.

الوضع الحالي: مسؤولية مشتركة
لقد كانت الجالية دائما ـ و لازالت ـ تطالب دول المهجر بتخصيص أماكن خاصة بدفن موتى المسلمين مستعينة في ذلك بالهيئات المهتمة بهذا الموضوع كرؤساء الجمعيات الإسلامية و رؤساء المساجد، إضافة إلى الفدراليات الساهرة على تأطير الشأن الديني “كالمجلس الفرنسي لديانات المسلمة”، إلا أن هذه الرغبة لم تترجم على أرض الواقع بإجراءات عملية لذى السلطات الفرنسية لوضع استراتيجية حقيقية تمكن من تحقيق مكتسبات مهمة في هذا الشأن.

بالفعل استطاعت بعض الجهود تحقيق مكتسبات في بعض المناطق كتخصيص بعض الأماكن للجالية المسلمة في بعض الجهات، إلا أن هذه الجهود ظلت تفتقد لاستراتيجية حقيقية مبنية على دراسات ميدانية لضبط الحاجيات ووضع خطة طريق لتحقيق تقدم مهم في هذا المجال. هذه “الارتجالية” و إن كانت هناك جهود صادقة للعديد من الفاعلين لإيجاد حلول لإشكالية دفن جثامين الجالية المسلمة في المهجر، تبقى إحدى السمات التي تميز عدم فعالية المؤسسات المهتمة بشأن الديني والتي جعلت الدولة الفرنسية تخطط منذ سنتين تقريبا لإعادة هيكلة المجال الديني بفرنسا.

من جانب آخر، يعد من السذاجة تعليق صعوبات الجالية المسلمة على شماعات الهيئات المكلفة بشأن الديني أو حتى على السلطات الفرنسية، حيث إن لأفراد هذه الجالية مسؤولية كبيرة فيما صارت إليه الأمور. بالفعل إن هذه الجالية لم تكن لتهتم بشؤونها الدينية في أرض المهجر باستثناء مشاركتها الفعالة في بناء و تشييد المساجد. فقد أبرزت كافة التحديات كالانتخابات السابقة للهيئات المكلفة بتسيير الشأن الديني عدم الانخراط الفعلي لهذه الجالية في تقرير مصيرها و المساهمة الفعالة في وضع الأسس لتحقيق أهدافها و مكاسب حقيقية على أرض الواقع في كافة المجالات المتعلقة بحياتهم بما فيها مسألة الدفن.

لقد إعتاد المتتبع للشأن الديني في فرنسا، أن أعضاء الجالية يعيشون في فرقة و أنانية دائمة باستثناء بعض الحالات كشهر رمضان و عند المطالبة بالأئمة أو أساتذة تعليم اللغة العربية. اهتمامات موسمية لا ترقى لتحقيق تقدم حقيقي للجالية بأرض المهجر.

وبالعودة لمشكل الدفن في فرنسا، تجدر الإشارة إلى أن بعض المسؤولين الفرنسيين قد قاموا في الماضي بتوفير بعض الأماكن بالمقابر المخصصة للجالية المسلمة ليتفاجؤوا بعد ذلك بعدم أو قلة استعمالها باستثناء بعض الحالات التي تعد على رؤوس الأصابع.

إن تفضيل الجالية الدفن بأرض الوطن للأسباب سالفة الذكر، كان من بين العوامل التي لم تساهم في توفير مقابر للمسمين في أرض المهجر لأن الفاعل السياسي في بلد الإقامة لا يرى جدوى من تخصيص أماكن لدفن فئة لا ترغب أصلا في أن توارى الثرى في الديار الفرنسية.

إن الأزمة الحالية لإشكالية دفن جثامين المسلمين في الديار الفرنسية و مع انتشار وباء كورونا و غلق الحدود و ما طرحته من مشاكل أثقلت كاهل بعض الأسر المكلومة لفقدانها لأحد ذويها و صعوبة عملية الدفن، يمكن اعتبارها فرصة حقيقية من أجل التفكير سواء من طرف أعضاء هذه الجالية أو الهيئات الممثلة للمسلمين بوضع خطة عملية بشراكة حقيقية مع السلطات الفرنسية لتوفير مقابر إسلامية على مدى المتوسط.

أزمة كورونا هي كذلك فرصة لاعتكاف هذه الجالية لإعادة النظر في بعض مفاهيمها و تصوراتها لبعض النقاط التي تهم الاندماج الفعلي في أرض المهجر على غرار إشكالية الدفن. حيث تسعى مكونات هذه الجالية بكافة الوسائل للعيش بأرض المهجر و العمل و تكوين أسر قد تمتد على أجيال مع الاستفادة من التقاعد والجنسية و في نهاية المطاف ترفض أن توارى جثامين موتاها بالأراضي التي استضافتهم لعقود من الزمن و لا زالت تستضيف أبناءهم و ذويهم !!!
‏‏”إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ‏‏”. سورة لقمان: 34
فرنسا ١٩ ابريل ٢٠٢٠

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.