عبد الهادي المهادي
أصبحتُ فجأة داعية للتحرّر من الوقار والحشمة جرّاء كلام موجز نشرته في تدوينة لا تحتمل التفصيل.
بعضهم لامني لكوني نشرت صورة رجل شاب يبدو منهكا يضع رأسه على كتف زوجته في حافلة. ولعمري كيف لم يستطع هؤلاء أن يسكنهم، ولو للحظة عابرة، ذلك الجمال والجلال الذي “يطير شعاعا” من تلك الصورة. وكيف استطاع “عقلهم” أن لا يقرأ فيها أمرا آخر غير مؤشر للمودّة في أبهى صورها.
بعضهم زايد عليّ في أمر التَّديّن، ونظر إليّ من “علياء” لحيته الطويلة وشاربه المحفوف، وكاد يلوّح بالبطاقة الحمراء متهما إياي في ديني.
بعضهم قوّلني ما لم أقل، فاعتقد أنني أدعو إلى أن يكون العناق والتقبيل بين الزوجين جهارا نهارا في المجال العام، وآخر قال: ماذا تركت لنا نحن العزّاب؟ !
بعضهم أكد أنه لم يسبق له أن قرأ في السيرة النبوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبق له أن أمسك بيد إحدى زوجاته في الشارع أو وضع ذراعه على كتفها. وهذا “تأكيد” يحتاج إلى مناقشة، لأنني أعرف أن التَّرْك ـ إن حصل ـ ليس دليلا على الحرمة أو الكراهية أو المنع. أي أنه ليس حجة ـ كما يقول أهل الاختصاص.
بعضهم، كما يقول المغاربة، مع القليل من التحوير: “يقتل مع القَتّالَه، ويبكي مع مْوالين الدّار”؛ حيث أشّر بالتّحبيب أسفل كلّ من كلامي وكلام معارضي.
بعضهم وكأنه أخرجني من دائرة البنية الفكرية التي أشاركه الاقتناع بشبكة مفاهيمها وتأصيلاتها والروح التي تنتظمها، لأنه اعتقد أنني بتدوينتي هذه أكون قد وضعت نفسي خارجها في هذه “التفصيلة” من البناء.
بعضهم وقف عند “ويل للمصلين”؛ شكلا ومضمونا؛ شكلا لأنهم عَلِقوا فقط في بداية الكلام، ومضمونا لأنهم سطّحوا النقاش وبسطوه إلى أدنى المستويات المؤذية.
بعضهم، غسل يديه من الأمر برمته، واستجلب الدعاء أن يُبقيَ الله تعالى له نِعْمَة أصالته التي بدا له أنني أزجف عليها وأهدّدها. وقد ترك لي ـ مشكورا ـ الوعي والفهم والتحرّر.
وكان أمر السينما هو أكثر ما أثار عليّ الغضب، رغم أنني لم أدعو أحدا لأن يصطحب زوجته إليها. لقد رويت خبرا ـ بتحبيب ـ يهم التهامي الوزاني، وهو من هو تجربة وعلما وتربية. (صوفي، كاتب في مجالات متعددة، من بينها التفسير، أول قيدوم لكلية أصول الدين بتطوان…)
ومع ذلك اطمئن؛ فالشارع أصبح عندنا بمثابة شاشة سينمائية كبيرة، وما تخاف على إحساس زوجتك أن يخدشه موجود على قارعة الطريق، فنصحي لك أن تمنعها من الخروج!
دعوتي الأساسية أن نعيد النظر في الأسلوب الذي ينبغي أن نتعامل به نحن الرجال مع هذا الكائن العاطفي الذي تُذَوّبُه الكلمة والإشارة واللّفتة، في الوقت الذي يحس الكثير منا بأن ذلك يشكّل خطرا على “رجولته” إن هو “تنازل” وقالها أو رسمها بأريحية تليق بالمقام. تأكّد أنك إن لم تُسمعها إياها فهناك من سيوشوش لها بها في الشارع رغم حجابها وجلبابها وحشمتها، لأنه هناك من لا يوقّر كل ذلك مجتمعا. وسيجعلها تستنكر ليس فعله المشين بل تركك المعيب.
كلّ الزوجات تقريبا يعاتبن أزواجهن قائلات: أين غار ذلك المعسول من الكلام الذي كنتم تُشربونه لنا قبل الزواج؟! أين تلك الحركات والإشارات واللفتات؟! نجيب كلّنا: إنها مشاغل الحياة ومصاعبها ومشاكلها التي تحيّر الحليم وتُبهته.
نحن الرجال نهتم عادة بالأمور “الكبيرة”، بينما ينشغل النساء يالتفاصيل التي لا نلقي لها بالا، ودائما ما تكون سببا في نجاح أو فشل ما نحن فيه. وللتنبيه فإن الشيطان يكمن في هذه التفاصيل كما يقول الفرنسيون. هذه التفاصيل هي ماء الحياة بالنسبة إليهن في الوقت الذي نعتبرها مجرد “نسويات”، مقلّلين من شأنها ومحتقرين لها.
الكثير منا يتحرّج أن يلاطف زوجته أمام الأبناء والوالدين لأن عينيه وأذنيه لم تتعوّد على رؤية ذلك وسماعه يوم كان طفلا في بيت والديه، وظن أن الأمر دِين وحياء، وإنما هو العادة والعرف.
أما في المجال العام فأين الحرج في أن تمسك بيد زوجتك في ظرف معين وسياق معين؟ ! أين الحرج في أن تصاحب زوجتك لمشاهدة فيلم سينمائي أو مرافقتها للتفرج على مقابلة في كرة القدم إن كان الأمر يستحق؟ ! ما الفرق في أن تجلسا في المطعم أو المقهى أو الحديقة والناس ينظرون إليك وربما يتأملون قدّ زوجتك وجمالها في غفلة منك أو أمام عينيك وبين الجلوس في السينما؟ !
واقعنا نعرفه جيدا، لأننا أبناؤه، وهو يخبرنا أن المقاهي تكاد تنفجر برجال يقضون ساعات طويلة “هاربين” من منازلهم، بينما زوجاتهم في البيت غارقات في مسؤوليات جزء كبير منها ليست من شأنهن، وتائهات في الأسواق. بينما نقعد نحتج على نصّ دعا إلى الإمساك بيد الزوجة في ظروف وشروط وحيثيات كان على الجميع إدراكها دون أي شرح.
المصدر: صفحة الكاتب على فيسبوك
المصدر : https://dinpresse.net/?p=16577