دين بريس ـ سعيد الزياني
صدر في أستراليا خلال الشهر الجاري تقرير تاريخي بعنوان A National Response to Islamophobia: A Strategic Framework for Inclusion, Safety and Prosperity (استجابة وطنية لمكافحة الإسلاموفوبيا: إطار استراتيجي للإدماج والسلامة والازدهار) أعده المبعوث الخاص لمكافحة الإسلاموفوبيا “أفتاب مالك”.
وقدم التقرير إطارا وطنيا شاملا للتعامل مع ظاهرة الإسلاموفوبيا، باعتبارها تحديا يرتبط بالتماسك الاجتماعي ويطال جميع الأستراليين، مشددا على ضرورة اعتماد مقاربة متعددة المستويات تشمل القيادة السياسية والتعليم والسياسات العامة والتشريعات والدعم المؤسسي.
ورأى أن استمرار هذه الظاهرة يعمق الانقسام بين “نحن/هم”، ويقوض قيم الاحترام والإنصاف والاندماج، بما ينعكس سلبا على السلم الاجتماعي ويهدد آفاق التعايش.
واستند التقرير إلى بيانات كمية ونوعية متراكمة، فقد أظهرت الدراسات الممتدة حتى 2011 أن نصف الأستراليين عبروا عن مواقف مناوئة للمسلمين، بينما لم تتجاوز نسبة من لديهم صورة إيجابية عن المسلمين في 2023 ربع السكان.
وفي 2024 ارتفعت نسبة المواقف السلبية إلى 34% مقارنة بـ27% في العام السابق، كما اعتمد التقرير على سلسلة لقاءات مع أكثر من مائة من قيادات وممثلي الجالية المسلمة في أواخر 2024، وسجل وقائع تعبئة شعبية واسعة شارك فيها ما بين 225 و300 ألف شخص في مسيرة سيدني في 3 أغسطس 2025، احتجاجا على تنامي موجات الكراهية.
وكشف التقرير عن حجم الأضرار المترتبة على الإسلاموفوبيا، إذ وثق “سجل الإسلاموفوبيا في أستراليا” أن 92% من الضحايا أبلغوا عن آثار طويلة الأمد شملت الخوف والإذلال واليأس وفقدان الشعور بالأمان، وبين أن النساء المسلمات هن الأكثر عرضة للاستهداف من خلال الاعتداءات اللفظية والجسدية وتمزيق غطاء الرأس، مع امتداد الهجمات إلى الأطفال ودور العبادة والمراكز الإسلامية، وأكد أن هذه الممارسات تترك آثارا نفسية واجتماعية عميقة تتطلب تدخلا عاجلا على مستوى الصحة النفسية والدعم المجتمعي.
ودعا إلى إيجاد توازن بين حماية حرية التعبير ومكافحة خطاب الكراهية، بحيث تبقى الانتقادات المشروعة أو المحاججة الفكرية تجاه الإسلام أو المسلمين ضمن حدود النقاش القانوني والمشروع، مع رفض توظيف حرية التعبير لتبرير التحريض على التمييز والعنف، ورأى أن صيانة هذا التوازن أمر أساسي لضمان مصداقية أي سياسة حكومية في هذا المجال.
وقدم التقرير حزمة واسعة من التوصيات بلغ عددها 54 توصية، وجهت إلى رئاسة الحكومة والوزارات الفيدرالية المختلفة، من العدل والداخلية إلى التعليم والصحة والخارجية والرياضة والخدمات الاجتماعية والعمل والبنية التحتية، إضافة إلى البرلمان ولجنة المعايير البرلمانية، واقترح الاعتراف رسميا باليوم الدولي لمكافحة الإسلاموفوبيا في 15 مارس، ومعاملة الظاهرة بالجدية نفسها الممنوحة لبقية أشكال التمييز العنصري والديني.
وشملت التوصيات إجراءات عملية متنوعة، من بينها إنشاء برنامج منح لتعزيز أمن المساجد والمؤسسات الإسلامية غير الربحية يشمل تجهيزات الحماية والصيانة وتقييم المخاطر والحماية السيبرانية، وتدريب إلزامي لعناصر الشرطة الاتحادية على الحساسية الدينية، ومراجعة قوانين الهجرة لرفض منح التأشيرات لمروجي خطاب الكراهية المعروفين، وأوصى التقرير وزارة العدل بسد ثغرات الحماية القانونية عبر توضيح أن المسلمين مشمولون بفئة “الإثنودينية” في قانون التمييز العنصري، وإنشاء لجان تدقيق لجرائم الكراهية على غرار النموذج البريطاني.
وأوصى في مجال التعليم، بمراجعة المناهج لإدماج إسهامات المسلمين في الحضارة والعلوم الإنسانية وتصحيح الصور النمطية، ودعم الدراسات الجامعية المتخصصة في الإسلام، بما يعزز المعرفة المهنية لدى القادة والمعلمين والإعلاميين وصنّاع القرار.
أما في قطاع الصحة، فقد دعا إلى وضع بروتوكولات خاصة لدعم ضحايا الإسلاموفوبيا وتمويل خدمات الرعاية النفسية، مع إلزام العاملين في الصحة النفسية والرفاه بتدريب على الكفاءة الثقافية والدينية.
وعلى المستوى الخارجي، طالب التقرير بتكثيف التواصل مع دول الأغلبية المسلمة حول مبادرات مكافحة الإسلاموفوبيا وتنظيم يوم تثقيف وتضامن دولي في 15 مارس عبر السفارات والبعثات الدبلوماسية.
وركز التقرير على أن نجاح أي سياسة وطنية يستلزم إشرافا عالي المستوى، مقترحا إنشاء آلية متابعة برئاسة أمين عام رئاسة الحكومة لضمان التنسيق بين الجهات وتقييم الأثر بشكل دوري.
وختم بأن مكافحة الإسلاموفوبيا يجب أن تقوم على التعافي المجتمعي وترسيخ القيم المشتركة، مؤكدا أن تبني هذه التوصيات يمثل اختبارًا لمصداقية أستراليا في حماية مواطنيها المسلمين وضمان إدماجهم، وأن إهمالها سيكون خذلانا لأكثر من مليون مسلم يعيشون في البلاد.