إعداد: ذ.محمد جناي
صدر حديثا عن المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية ببرلين- ألمانيا – كتاب بعنوان : “اللوبي الاعلامي وتأثيره في صناعة القرار السياسي: الجزيرة القطرية والعالم الايرانية نموذجا”، من تأليف الدكتورة شيماء الهواري وهي حاصلة على دكتورة في السياسات العمومية من جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء بالمغرب، رئيسة تحرير واللجنة العلمية للمجلة الدولية للدراسات الاعلامية التي تصدر عن المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية السياسية والاقتصادية ببرلين – ألمانيا-، وهو كتاب يتناول الدور الذي يلعبه الإعلام في التأثير على صناعة القرارات السياسية، والذي يعد قوة ناعمة بمؤهلات القوة الصلبة، مما جعل الكثير من الحكومات والأنظمة السياسية تستعين به في تدعيم سياساتها الخارجية والداخلية.
لقد رتب الكتاب الذي نروم تقديمه ـ فضلا عن المقدمة والخاتمة- على أقسام وفصول وفق التصميم التالي :
المقدمة
القسم الأول : منظومة حرية الإعلام والتعبير : بين واقع التنظير وآفاق التطبيق ويتكون من فصلين:
الفصل الأول : مصادر قوة حرية الإعلام والتعبير
الفصل الثاني : ثورات القوة الناعمة في العالم العربي
القسم الثاني : جماعة الضغط الجديدة : اللوبي الإعلامي وهو بدوره يضم فصلين:
الفصل الأول : تأثير جماعات المصالح على صناعة القرار السياسي
الفصل الثاني : تجليات قوة اللوبي الإعلامي السياسية
الخاتمة
تطرقت صاحبة الدراسة في مقدمتها على مساهمة التكنولوجيا في تقوية دور الإعلام في التأثير على صناع القرارات، حيث بينت أن لوسائل الإعلام مكانة كبرى في المجتمعات الغربية خاصة في الولايات المتحدة التي تعد موطن أضخم المؤسسات الإعلامية العالمية، وأنها وجدت أن للإعلام دور أساسي في الحياة العامة، وخاصة في المجال السياسي إبان الانتخابات الرئاسية وعند القيام بالحملات العسكرية، وأنه يستعان به من أجل تصنيع الآراء وصنع الإجماع الشعبي، فالإعلام في الولايات المتحدة والغرب قوة توازي جماعة ضاغطة.
وأضافت أنه نظرا لاتساع سلط الإعلام كان من واجب المشرع الدولي حمايته وتنظيمه عبر سن أو إصدار قوانين دولية تنظم وسائل الإعلام وتحمي العاملين في هذا المجال سواء في السلم أو الحرب ، ولم يغفل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية تخصيص مواد تعنى بحماية حرية التعبير والرأي والحق في الحصول على المعلومات ، وحرية النشر والإخبار، كما لم تغفل الاتفاقيات الدولية أو المؤتمرات العالمية تخصيص بنود تحمي بها حرية التعبير والرأي والإعلام بشتى الصور.
وأكدت أن الإعلام لم يكن أبدا أداة لخلق الكراهية ، بل هو بالأساس أداة تثقيف وتعليم وتربية أولا، وترفيه اجتماعي ثانيا، لكن الظروف السياسية واختلاف المصالح بين الأنظمة هو ما جعله أداة ترهيب، هذه الأداة أضحت الآن عجينة لينة بأيدي الدول المتصارعة على المنطقة العربية خاصة الشرق الأوسط ، فالكل يسعى إلى التربع على عرش سيادة المنطقة، فنجد قطر التي تبحث لها على مستقر قدم في المخطط المستقبلي للمنطقة ( الشرق الأوسط الجديد )،وإيران التي تحاول إخضاع المنطقة الشرق الأوسطية سياسيا، وتركيا التي لا تدخر جهدا من أجل التدخل المستمر في شؤون المنطقة ، أما الدب الروسي فحضوره يوازي حضور الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة ، هذه الدول وخاصة إمارة قطر والجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تستعينا بالطرق التقليدية لإثبات وجودهما في المنطقة بل استعانتا بالقوة الناعمة بدلا من القوة الصلبة ، مما جعلهما تقتربان من تحصيل نتائج مهمة في المنطقة.
وانتقلت إلى أن اعتماد قطر على قناة الجزيرة الإخبارية، وإيران على قناة العالم الإخبارية، جعل هاتان الدولتان تصنعان الإجماع العربي عليهما خاصة إبان الثورات العربية، فالمهنية الاحترافية والتقنية التي يتعامل مقدمو البرامج والمحررون والمذيعون تضاهي القنوات الغربية، هذه المهنية والحرفية ساعدت في تقريب آراء وسياسات الدول الوصية على القناتين من المواطن العربي وجعله يتعاطف معها وفي كثير من الأحيان يتبناها، وهذا ما تمت ملاحظته من خلال انتشار التشيع الديني والسياسي في الكثير من البلدان العربية، وبروز الرسائل الإعلامية الانحيازية المتطرفة.
أولا : الإطار المفاهيمي
وتناولت فيه مجموعة من المفاهيم والقضايا المرتبطة بمصطلح الإعلام ومن أبرزها:
الأول : مفهوم الحق في الإعلام والاتصال
يقصد به :”حق الأفراد والجماعات والشعوب في الحصول على المعلومات الصحيحة من مصادرها ، أو من خلال وسائط حرة تتمتع بالمصداقية”، ويشمل هذا الحق حق تلقي المعلومة ونشرها، ونقلها للآخرين بشتى الوسائل المتاحة، والاستعانة بها لممارسة حق التعبير والنقد، ولتعزيز المشاركة في توعية الرأي العام وصناعة القرار ، والسعي إلى تحقيق التنمية.
الثاني: الإعلام وحقوق الإنسان
فالدور الريادي الذي يقوم به الإعلام في مجال حقوق الإنسان مرده إلى حرية الإعلام، إحدى روافد حرية الرأي التي تعد حقا أساسيا من حقوق الإنسان ، لهذا نجد أن الإعلام هو الوسيلة الأولى التي تسعى إلى نشر مبادئ حقوق الإنسان ودعم آلياته.
وأكدت أن صلة الوصل بين الإعلام وحركة حقوق الإنسان وثيقة لا تنفك عراها، تربطهما علاقة موضوعية بحيث توفر الثانية مادة غنية وموضوعا ثريا في مختلف المناحي الثقافية والاجتماعية والسياسية للأولى التي أمنت بدورها الأولوية العملية لنشر المفاهيم وتناميها في مختلف المجتمعات.فالإعلام يتحمل مسؤولية إيضاح مفاهيم حقوق الإنسان من خلال:
* مسؤولية التعريف بالحقوق الإنسانية وإشاعة ثقافة احترامها والتمسك بها ؛
*مسؤولية التحريض على المطالبة بالحقوق المنتقصة؛
*مسؤولية التنبيه إلى عدم التعسف في استخدام الحق؛
*مسؤولية التربية على احترام الحقوق الإنسانية للآخر فردا كان أو جماعة.
وختمت هذا المحور بأن نجاح الإعلام في ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان يتوجب استنهاض منظمات المجتمع المدني للمشاركة الفاعلة في التنمية الحقوقية ، وتزويد الإعلام بالمعلومات وتصحيحها، وإعداد البرامج الفرعية والمتخصصة عن حقوق الطفل والمرأة وذوي الاحتياجات الخاصة ، والتوسع في تخصيص صفحات حقوقية في الصحافة المحلية، وإقامة ورش عمل حقوقية دورية.
الثالث: الإعلام والبعد الديمقراطي
الإعلام هو أحد الركائز الأساسية في كل تحول ديمقراطي،كون الإعلام والديمقراطية ثنائية متلازمة، وذلك على الرغم من اختلاف الباحثين في تحديد أسبقية طرفها الأول عن الثاني ، فلا يمكن في الحقيقة الجزم بأن الإعلام الحر هو الذي ينتج الديمقراطية أو بأن الديمقراطية هي التي تنتج الإعلام الحر ، بيد أن ما يمكن تأكيده هو أن حرية الإعلام لا يمكن أن تقارب بمعزل عن مبادئ الديمقراطية .
قال المفكر الإسلامي محمد قطب عن معنى الديمقراطية :”ومعناها الحكم الذي تكون فيه السلطة للشعب وتطلق على نظام الحكم الذي يكون الشعب فيه رقيبا على أعمال الحكومة بواسطة المجالس النيابية ويكون لنواب الأمة سلطة إصدار القوانين”.
فالديموقراطية في مفهومها العام تحمي حق الإنسان في نشر أفكاره والتعبير عنها بشتى الوسائل ، وقد نصت معظم الدساتير والمواثيق الدولية والعربية على ضرورة تبني المنهاج الديمقراطي في التسيير، وعلى ضرورة حماية الحقوق المترتبة عنه ، والتي من أبرزها حق التعبير وإبداء الآراء ونشر الأفكار واستقاء الأخبار وإذاعتها.
الرابع: العولمة الإعلامية
وفي سبيل وضع تحديد لمفهوم العولمة الإعلامية ناقش جيدنز عولمة وسائل الإعلام على أنها ضغط للزمان والمكان ، وهي سمة رئيسية في العالم المعاصر ، وأشار إلى أن عولمة الإعلام هي الامتداد أو التوسع في مناطق جغرافية مع تقديم مضمون متشابه، وذلك كمقدمة لنوع من التوسيع الثقافي، وأكد جيدنز أن وسائل الاتصال التكنولوجيا الجديدة جعلت من الممكن فصل المكان عن الهوية، والقفز فوق الحدود الثقافية والسياسية، والتقليل من مشاعر الانتساب أو الانتماء إلى مكان محدد ، وشدد جيدنز على أهمية دور الإعلام في خلق وتضخيم الحقائق اعتمادا على الصورة والرموز.
الخامس: الإعلام الدولي
يقصد بالإعلام الدولي:” تزويد الجماهير في الدول الأخرى بالمعلومات الصحيحة والأخبار الصادقة ، بقصد التأثير على تلك الجماهير وإقناعها بعدالة قضايا الدولة، وبالتالي تبني جماهير الدولة الأخرى لموقف تلك الدولة ” ، ويعرفه الدكتور محمد سيد محمد بأنه :” الإعلام الذي يسهم به مجتمع أو جماعة أو هيئة أو مؤسسة في الساحة الإعلامية بحيث يستجيب لتلقيه رجل الشارع العالمي أي المستمع أو المشاهد أو القارئ بصفة عامة في العالم”، وللإعلام الدولي دور مهم في نقل الحقائق أو صورة الشيء وليس في إنشاء هذه الصورة ، وبالتالي فالإعلام الدولي لا يرسم سياسة الدولة ولكنه معبر عنها فقط.
السادس: الإعلام الاقتصادي
يشغل الإعلام الاقتصادي مهمة تغيير اتجاهات الرأي العام التي بدورها تساهم في تغيير اتجاهات الحكومات، الشيء الذي يؤدي إلى تسريع عملية التنمية، ومنه نستنتج أن للإعلام الاقتصادي الدور الأول في مجالات الصناعة والتجارة والاستثمار والقوانين الاقتصادية ومخططات التنمية والاتفاقات التجارية الدولية.
السابع: الإعلام السياسي
الإعلام السياسي فرع من الفروع الإعلامية ومنهاج يستهدف نشر الأخبار والحقائق، كما أنه جزء من النشاط الإتصالي الذي تقوم به الهيئات المتخصصة في بث المعلومات والأفكار والمواقف عن الشؤون الحكومية.
وتتجلى الوظيفة السياسية لوسائل الإعلام في إضفاء الشرعية على أفكار ومفاهيم معينة واستبعاد أفكار ومفاهيم أخرى من الجدل أو النقاش السياسي، إذن نستخلص أن المفهوم الدقيق للإعلام السياسي هو الإخبار بأي مضمون له بعد أو مدلول سياسي، ويقول الأستاذ راسم محمد الجمال حول الموضوع ولكن في شكله العربي:” تتجه السياسات الاتصالية كلها إلى دعم سلطة النظام القائمة ، وتوجهاتها في المجالات المختلفة، وخدمة مصالحه الحقيقية والمتصورة على النحو الذي يخدم تماسك النظام وديمومته، مما نجم عنه أن اصطبغ مضمون الاتصال في معظم أشكاله في بعض الأقطار بالصبغة الدعائية المباشرة التي تعزز مصالح النظام وأهدافه وتعزز المصالح القطرية وتغرس الولاء لها في عقول الجماهير”.
وعلى نقيض الوضع العربي نجد أن وسائل الإعلام والاتصال في الدول الديمقراطية هي التي تمارس الضغط على الحكومات خاصة عندما يتعلق الأمر بالشؤون الداخلية لهذه الدول ، أما عندما يتعلق الأمر بالسياسات الخارجية فإن هذه الأنظمة تمارس ضغطها على وسائل الاتصال من حيث وظائفه ومضمونه وحجمه.
الثامن: الإعلام الديني
يهتم الإعلام الديني بإنتاج وتوزيع الخطابات الدينية المحضة، ونشر المقالات وإنتاج البرامج العقائدية والتشريعية وحتى التبشيرية، كما تتناول مواضيع لها علاقة بالنزاعات المذهبية بين المذاهب الإسلامية أو المسيحية وغيرها، وهذا الصنف الإعلامي لا يقتصر تواجده في منطقة جغرافية معينة أو في مجتمع معين بل هو نوع إعلامي متخصص ومنتشر،ونجد أن الدول الغربية كانت سباقة في خلق هذا النوع الإعلامي، وأكثر الدول الغربية احتواء لهذا الصنف الولايات المتحدة الأمريكية، فهي تعد تجمعا لأكبر عدد من السكان المسيحيين على وجه الأرض ب 224 مليون نسمة يغلب عليهم المذهب البروتستانتي بنسبة 51،3 والباقي يتقاسمه الكاثوليك والإنجيليين البيض والمورمون.
أما الإعلام الإسلامي فهو صنف من أصناف الإعلام الديني وله العديد من المفاهيم ، منها ما جاء به محي الدين عبد الحليم الذي قال عن الإعلام الإسلامي أنه :” تزويد الجماهير بحقائق الدين الإسلامي المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله بصورة مباشرة أو من خلال وسيلة إعلامية عامة بوساطة قائم بالاتصال لديه خلفية واسعة متعمقة في موضوع الرسالة التي يتناولها، وذلك بغية تكريس رأي عام صائب يعنى بالحقائق الدينية وترجمتها في سلوكه ومعاملاته”.
وهناك من يعرفه على أنه :” استخدام منهج إسلامي ، بأسلوب فني إعلامي يقوم به مسلمون عالمون عاملون بدينهم، متفهمون لطبيعة الإعلام ووسائله الحديثة وجماهيره المتباينة، مستخدمون تلك الوسائل المتطورة لنشر الأفكار المتحضرة والأخبار الحديثة ، والقيم الأخلاقية والمبادئ والمثل ، للمسلمين وغير المسلمين في كل زمان ومكان، وفي إطار الموضوعية التامة ، بهدف التوجيه والتوعية والإرشاد ولإحداث التأثير المطلوب والتعرف على مدى التأثير أولا بأول “.
التاسع: الأخلاقيات المهنية للإعلام
تلعب المواثيق الأخلاقية دورا مهما في حماية الإعلاميين والصحفيين من غرورهم، وحب استباق الأخبار ونشرها مهما كانت تؤذي مشاعر الآخرين وتضر بمصالحهم أو تعرضهم للخطر، وهذه المواثيق ليست ذات طابع زجري بل تخاطب ضمير ومبادئ رجل الإعلام والصحافة.
والأخلاقيات المهنية مجموعة من القيم والمعايير والمبادئ وقواعد السلوك التي تمثل مفهوم الصواب والخطأ في السلوك المهني.
ثانيا: الإطار المنهجي
أكدت أن هذه الدراسة تقوم على إشكالية رئيسية وهي : هل يمكن اعتبار وسائل الإعلام بكافة أنواعها جماعة ضاغطة تؤثر سلبا وإيجابا على صناعة القرار السياسي دوليا وإقليميا وحتى محليا.
حيث بينت أن هذه الدراسة تهدف إلى إثبات أن الإعلام بشتى وسائله جماعة ضاغطة تؤثر في اتخاذ القرارات خاصة على المستوى السياسي ، وكذا التعرف على دور الإعلام في الثورات الديمقراطية العربية ، مع رصد لأهم القوانين والمواثيق الدولية التي تطرقت إلى حرية الإعلام والتعبير وتحليلها، كذلك تحليل النصوص القانونية الجديدة التي تنظم الإعلام والتي أعدت بعد الثورات العربية ،مع تقديم صورة واضحة حول قوة الإعلام الغربي خاصة الأمريكي من خلال وضع دراسة تحليلية حول أهم المؤسسات الإعلامية بالولايات المتحدة الأمريكية وأهم القوانين التي تنظم الإعلام فيها ، و تحليل الواقع الإعلامي العربي من خلال وضع نموذجين للدراسة وهما قناة الجزيرة القطرية والعالم الإخبارية الإيرانية، دور خطاب الكراهية في تقويض خطط السلام في المنطقة العربية وتأجيجه للحروب الأهلية على أساس الطائفية والمذهبية والعرقية والمعتقدات الدينية.
فجاءت خطة الدراسة كما تقدم سابقا، على الشكل التالي:
المقدمة
القسم الأول : منظومة حرية الإعلام والتعبير : بين واقع التنظير وآفاق التطبيق
الفصل الأول : مصادر قوة حرية الإعلام والتعبير
الفصل الثاني : ثورات القوة الناعمة في العالم العربي
القسم الثاني : جماعة الضغط الجديدة : اللوبي الإعلامي
الفصل الأول : تأثير جماعات المصالح على صناعة القرار السياسي
الفصل الثاني : تجليات قوة اللوبي الإعلامي السياسية
الخاتمة
إنّ الناظر في هذه الدراسة الجادة تستوقفه تنبيهات وإيضاحات مهمة وردت مبثوثة في ثنايا أقسام وفصول الكتاب ومباحثه الفرعية، وهي في تقديرنا بمثابة العقد الذي يربط المؤلف بالمراجع والمصادر التي يشتغل عليها من جهة، وبالقارئ لما يكتب من جهة أخرى، مع ملاحظة أن أغلب تلك التنبيهات والإيضاحات يتكرر أكثر من مرة، فقد أرادت صاحبة الكتاب أن يكون كما نقلت لنا عن فرج فوده :” الذي يقرأ ويفهم ، سيحاورني والذي يقرأ ولا يفهم سيشتمني،والذي لا يقرأ ولا يفهم سينتصر عليا”.
واختتمت دراستها عن قصة تاريخية مشهورة :”معرض الحمير “وهي أشهر كذبة في العالم أطلقتها جريدة ايفند ستار الإنجليزية عام 1746 عندما أعلنت أنه في الأول من أبريل سيقام معرض حمير عام في غرفة الزراعة لمدينة اسلنجتون، فهرع الناس لمشاهدة تلك الحيوانات واحتشدوا احتشادا عظيما وظلوا ينتظرون العرض، فلما أعياهم الإنتظار سألوا عن وقت عرض الحمير فلم يجدوا أي عرض ولا أي حمير فعلموا أنهم خدعوا، إنما جاءوا يستعرضون أنفسهم فكأنهم هم الحمير ! هذا هو الإعلام.
وقالت أنه قد يجد البعض أن هذا المثال قاس ولا يناسب أن يعمم على كافة وسائل الإعلام غير أن هذه هي الحقيقة والغافل هو من يتمنى أن يكون العكس، رغم الإنجازات التي تحسب لوسائل الإعلام من فضحها للأكاذيب الحكومية وتقديمها للأدلة على مجرمي الحروب ودورها في التثقيف والتربية والرفيه والإبداع والسلام، إلا أنها تظل مجرد أداة تسويق موجهة ومسيرة وليست حرة ومخيرة.
وأضافت أنه لم تكن وسائل الإعلام إبان الثورات العربية المحرك الأساسي لها فقط بل كانت محركة من طرف قوى عظمى لها مخططاتها الخاصة للمنطقة، ساهمت تلك الثورات في تسريعها وتفعيلها وكانت لوسائل الإعلام اليد العليا في إتمامها وتنفيذها، ودليل ذلك أن المنطقة التي عمتها الثورات الربيعية هي الدول المحورية العربية ، فمصر وسوريا تعد من الدول البارزة والإستراتيجية في المنطقة الشرق الأوسطية، فالأولى هي مساعد أمريكا وأوروبا في الشرق الأوسط تنفذ سياساتهم وتحمي مصالحهم،وتعد حاجز الأمان لإسرائيل،أما سوريا فهي القدم الروسي في المنطقة وحليفة إيران والمشارك بشكل غير مباشر في الحكم في لبنان والدولة العاق بالنسبة لدول الخليج والخطر المستتر بالنسبة لإسرائيل.
وأضافت :” هاتان الدولتان وبفضل الثورات شهدت أحداثا متعاقبة قلبت المنطقة رأسا على عقب ، فكان من المنتظر وبحسب إرادة الشعب أن تكون لمصر حكومة إسلامية إخوانية لكن وبفضل الإعلام المسيس الموجه حدث انقلاب عسكري كان متوقعا نظرا لثورة الإعلام الشرسة ضد حكومة الإخوان ، وعادت مصر إلى حكم العسكر ومن هنا تكون مصالح الدول العظمى لم تتضرر، أما في سوريا فالوضع مختلف رغم محاولات وسائل الإعلام المختلفة والمتعددة عربية وأجنبية في تأليب الشعب السوري ضد حكم الأسد وإبراز روسيا وإيران على أنهم مجرموا حرب مازال الأسد جاثم على عرشه إلى الآن ، وتبقى المخططات المبرمجة لسوريا قيد التأجيل إلى حين.
والذي نخرج به من قراءة هذا الكتاب، أن مؤلفته قدمت لنا دراسة جادة وغير مسبوقة – ككتاب موجه للقارئ العربي – عن اللوبي الإعلامي وتأثيره في صناعة القرار السياسي : “الجزيرة القطرية والعالم الايرانية نموذجا “، وهي قراءة تدعو إلى مراجعة العديد من المسلمات عن الإعلام ودوره في الديمقراطية والدفاع عنها ، و من ثم نرى كتاب “اللوبي الاعلامي وتأثيره في صناعة القرار السياسي:الجزيرة القطرية والعالم الايرانية نموذجا “جديرا بالقراءة وبالمتابعة النقدية.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=19788