ترويض الـ”إيجو” وإدارة “النرجسية” في العمل

دينبريس
تقارير
دينبريس25 أكتوبر 2021آخر تحديث : الإثنين 25 أكتوبر 2021 - 11:18 صباحًا
ترويض الـ”إيجو” وإدارة “النرجسية” في العمل

دينبريس
الـ”إيجو” من أكثر الآفات المدمرة في مكان العمل، فهي “ذات مزيفة” تسيطر على الإنسان أيًا ما كان موقعه الوظيفي، سواء كان موظفًا عاديًا أو مديرًا أو رئيسًا أو يتقلد منصبًا قياديًا؛ لأن الـ”إيجو” تفتح الباب على مصراعيه للنرجسية التي تسيطر على صاحبها والمكان وتسبب الإحباط لمن حولنا، سواء كانوا مرؤوسين أو زملاء، وتثير المشاكل، وتقتل الإبداع والمبدعين في المؤسسة.

فيتحول الشخص إلى موظف أو مدير (أيًا كان موقعه) مغرمًا بذاته ولا أحد سواه. وقد شغل هذا الموضوع المهم خبراء وباحثي الكثير من العلوم والمجالات، ولا سيما علمي الإدارة والنفس؛ فهو ظاهرة إنسانية، وأحيانًا تبرز في أماكن العمل، وهنا يتحول الأمر إلى ظاهرة سلبية قد تعصف بالمؤسسات، والعلاقات سواء الرسمية أو الإنسانية بداخلها؛ لذلك تحتاج منا أن نقف أمامها، وندرك أبعادها، وطرق التعامل معها، وأبرز النصائح في هذا الشأن، وهو ما نتعرف عليه في هذا التقرير.

اختلاف كبير
نستهل الحديث بالتأكيد على أن هناك اختلافًا أو فرقًا كبيرًا، وخيطًا رفيعًا بين كل من: طغيان الـ”إيجو” أو النرجسية أو حب الذات المَرَضي، والثقة بالنفس. فصاحب الشخصية النرجسية، ولا سيما في مكان العمل، يتصف بصفات مختلفة تمامًا عن نظيره الواثق في ذاته. وهو ما يوضحه موقع أكاديمية “DW” الذي يذكر أن الشخصیة النرجسیة في الغالب ھي شخصیة ینمو فیھا حب الذات بشكل كبیر لیتحول إلى نوع من الإدمان. كما أن النرجسي ھو من یبالغ في تقییم أفعاله مھما كانت بسیطة. ولا تجید ھذه الشخصیة عادة بناء علاقات إنسانیة سلیمة، فكل ما یحتاجه صاحب ھذه الشخصیة ممن حوله ھو تعزیزھم شعوره بالتمیز والنجاح والجمال، ولا يتحمل النقد. وفي حال وجود شخص نرجسي في محیط الزملاء أو حتى الرؤساء في العمل؛ یجب إدراك أن ھذا الشخص لا یشبع من المدح. كما أن معظم علاقاته مع الآخرین سطحیة. والشخص النرجسي لیس منطویاً على نفسه؛ فھو صاحب شخصیة جذابة مثیرة للاھتمام في المراحل الأولى للعلاقة.

يرفض الترقية
ويطرح د.أحمد المعشني عبر الموقع الإلكتروني لصحيفة “الوطن”العُمانية” سؤلًا مهمًا كعنوان لمقاله: “إلى أي مدى أنت متحرر من (الإيجو-الأنا)؟! ويجيب عليه من خلال سرد قصة ربما ليست متكررة كثيرًا، لكنها توضح فكرته، كالآتي: استدعاه الرئیس التنفیذي للشركة واستقبله بابتسامة عريضة وحیاه بلغة مھذبة جدًا، ثم دعاه للجلوس وطلب له كأسًا من الشاي وخاطبه بنبرة صوت مفعم بالاحترام بحضور مساعد الرئیس التنفیذي وسكرتیرته وقال له: مبروك! ثم سكت قلیلًا، ثم أردف قائلًا: لقد قررنا تعیینك مديرًا لإحدى إدارات الشركة، وانتظر أن يسمع ردة فعله، لكن المھندس سالم نظر إلى الرئیس التنفیذي وشكره، ثم صمت مُفسحًا المجال للرئیس التنفیذي الذي أطنب في الحديث عن الدور الجديد للمھندس سالم في الوظیفة المترشح لھا. وأكد له أن إدارة الشركة تثق به تمام الثقة وأنه أھل لھذا المركز الجديد. وسوف يتیح له ھذا المنصب تقديم خدمات أكثر للمجتمع والشركة.

وعندما انتھى الرئیس التنفیذي من كلامه بحضور مساعده والمنسقة التنفیذية للشركة، شكر المھندس سالم الإدارة العلیا على حسن ظنھا فیه، لكنه اعتذر عن قبول المنصب، فاستغرب الرئیس التنفیذي رد سالم السريع وعدم قبوله لذلك المسمى الذي يسیل له لعاب زملائه، لكن سالم شكره مرة أخرى وبرر اعتذاره بأنه يشعر بالمتعة في عمله كمھندس ويتمتع برضا وظیفي كبیر، ولا تزال عنده أفكار إبداعیة لا تقل أھمیة للشركة عن ترقیته إلى وظیفة أعلى قد تعیق تفكیره وتقیده في الروتین الیومي، وطمأن الرئیس التنفیذي أن في الشركة كوادر تتمتع بالمؤھلات العلمیة والأھلیة والمھارات التي بلا شك يمكن أن تعطي بإبداع في المنصب الجديد.

فاستغرب الرئیس التنفیذي ھذا الموقف من شخص يرى فیه الكفاءة ويعتقد فیه الثقة ويلمس فیه الجدارة العلمیة والمھنیة. حاول أن يُلح علیه قائلًا: لكن ھذه الترقیة ستخدمك على المدى القريب والبعید وھي فرصة جديدة لك وتحدٍ يمكن أن ينقلك إلى آفاق أرحب. فرد سالم بأن كل ذلك لا يعنیه كثیرًا، فھو منسجم في عمله ولا زالت في عقله أفكار كثیرة للعمل والإبداع، وأنه لا يفكر مطلقًا بوظیفة أعلى قبل أن يفرغ عقله من أفكار كثیرة يراھا مفیدة لعمله ومجتمعه.

لكن الرئیس التنفیذي الذي لم يقبل مبررات سالم قال مرة أخرى: سوف تكون الوظیفة الجديدة إضافة رائعة إلى سیرتك الذاتیة! فتساءل سالم وماذا يعني ذلك؟ ھذا لا يھمني كثیرًا، فالألقاب جمیلة ومبھجة للذين يحبونھا، لكنني لا أحتاج إلى ألقاب وظیفیة لكي أكبر في عین نفسي. شكر المھندس سالم الرئیس التنفیذي، ثم خرج مبتسمًا وكأن شیئا لم يحدث. يبدو أن (الإيجو) لدى المھندس سالم تستقر في مستوى طبیعي وسوي، وھو يعرف تمامًا ماذا يريد؟ وماذا يمكنه أن يعطي لعمله ولمجتمعه ولنفسه؟

معلم سعودي
ويتابع د.المعشني توضيح الفكرة بقوله: يذكرني ھذا الموقف بمعلم سعودي ابتدائي ناجح قرأت عنه منذ سنوات، استمر مدة ثلاثین عامًا يعمل في مھنته كمعلم ابتدائي بتجديد وإبداع وتجرد، وعندما فكرت وزارة التربیة والتعلیم في السعودية أن تكرمه بترقیته إلى وظیفة أعلى، اعتذر بقوة وأكد للمسؤولین في الوزارة أن ترقیته مستمرة في عمله؛ فھو يكتشف أسالیب جديدة تجعل تلامیذ الابتدائي يحبونه ويحبون التعلم والتعلیم. وأصر على البقاء في وظیفته.

رئيس المؤسسة
ويروي د.المعشني لنا موقفًا يؤكد أن المدير هو القدوة لكل مرؤوسيه، وأنه بسيطرته على الـ”إيجو” بداخله وإدارته المتميزة لذاته الحقيقية كإنسان ومدير متصالح مع نفسه، لن يسمح لذاته المزيفة أن تطغى وتؤثر في علاقاته بمرؤوسيه وبزملائه. فهو بالتأكيد يدير النرجسية في مكان عمله بكفاءة؛ لأنه القدوة لهم، فيقول الكاتب: منذ أيام حضرت اجتماعًا لإحدى اللجان المھنیة في مؤسسة من المؤسسات، وكان رئیس المؤسسة يحمل رتبة علمیة كبیرة ويتمیز بماض مھني لامع جدًا في أكثر من بلد، وفوجئ الجمیع أنه لم يجلس في صدارة طاولة الاجتماعات، بل جلس بین المجتمعین مفسحًا المجال لعضو آخر أن يجلس في مقعده، وعندما حانت لحظة تقديم الضیافة للمجتمعین ترك كل “الإتیكیت” الخادع وقام بنفسه وطلب من العامل أن يقدم الواجب. ھناك أشخاص أسوياء يعیشون حیاتھم متصالحین مع أنفسھم، ولا يشترطون الحصول على ألقاب أو نیاشین أو مراسیم تصدر بشأنھم؛ لكي يقدموا الأفضل لمجتمعاتھم وللآخرين. ھؤلاء يسیرون على خطى الأنبیاء والصالحین الذين استطاعوا ترويض (الأنا) ووضعھا في مكان لا تتسلط من خلاله على الذات.

تعامل خاص
ونأتي الآن للجزء المهم في هذا التقرير وهو كيفية ترويض الـ”إيجو” والتعامل مع هذا الشخص النرجسي، في مكان العمل، وهو ما يلخصه لنا موقع “DW” أن هذا الأمر یحتاج إلى قدر كبیر من التفھم لطبیعة صاحب هذه الشخصیة. كذلك نظراً لافتقار أصحاب الشخصیة النرجسیة لمراعاة احتیاجات الآخرین؛ فمن المھم مع بدایة العلاقة وضع حدود واضحة. فارتباطك بعلاقة عمل أو جیرة مع شخصیة نرجسیة یزید من حاجتك منذ البدایة لتوضیح أنك غیر متاح له في كل وقت، وأنك لن تنفذ كل رغباته دائماً.

نصائح مهمة
ويسدي موقع “النجاح” الإلكتروني 3 نصائح مهمة في عملية ترويض الـ”إيجو”، وهي:

العطاء بدلًا من الأخذ: تقول دراسةٌ أنَّ 50% من شركات الأعمال تخسر في أول سنةٍ لها، وتُغلِق 80% من الشركات بعد 5 سنوات من تأسيسها. فما السبب؟ يكمن السبب في الهدف من إنشاء الشركة، فمَن هدفه الربح فقط، سيفشل حتماً؛ في حين أنَّ الشخص السَّاعي إلى تقديم خدمةٍ وقيمٍة سينجح حتماً. يتبنَّى الشخص الذي يعيش الـ”إيجو” مفهوم “الأخذ”، مُنتظراً الفائدة من الآخر، فيعيش حياته بالحزن في حال عدم تقديم الآخرين له. بينما يَعِي مَن يفكِّر في ذاته الحقيقية خصلة “العطاء”؛ فتجده يعطي دون انتظار المقابل.

الابتعاد عن الانتقاد والسخرية: يعيش الـ”إيجو” على الصورة المُزيَّفة، كأن يشعر شخصٌ ما أنَّه أفضل من فلان، وأكثر وعياً منه، فيُعطِي الحق لنفسه بانتقاده والاستهزاء به، وتبدأ بعدها موجات الحروب والنزاعات. يعيش مَن يفكر في”الذات الحقيقية” مرحلة التقبل والوعي الإيجابي، فيُقدِّر جميع الناس، ويتعاطى بمرونة مع كل شرائح الوعي، ويبتعد عن كل ما هو سلبي، وينشر الهدوء والراحة أينما حل، ويقدم القيمة بدلاً من الحرب.

الحفاظ على الطاقة الحقيقية ومراقبة أفعالنا: خلقنا اللّه في أحسن تقويم، وكرَّمنا، فقد سجدت الملائكة للإنسان، أي إلى”الذات الحقيقيّة”، فطاقة الإنسان طاقةٌ جبَّارةٌ وغير محدودة. لكن تتحوَّل هذه الطَّاقة الرَّائعة إلى طاقةٍ تدميريَّةٍ في حال دخول الـ”إيجو” إلى الإنسان؛ لذا علينا مراقبة أفعالنا جميعها، كأن نسأل أنفسنا بعد كلِّ عملٍ نقوم به: ما هي نيَّتنا من هذا العمل؟ هل كانت نيَّة التَّفاخر والتَّظاهر؟ أم نيَّة الفائدة والقيمة؟
المصدر:‎ مجلة التنمية الإدارية

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.