تحول استراتيجي ينذر بتوسع القاعدة نحو خليج غينيا
دين بريس ـ سعيد الزياني
يعرف البعد الأمني في غرب إفريقيا تحولا نوعيا مع إعلان جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” التابعة لتنظيم القاعدة مسؤوليتها عن تنفيذ أول هجوم داخل نيجيريا، مستهدفة موقعا عسكريا في شمال ولاية كوارا قرب الحدود مع بنين.
ويؤشر هذا الهجوم، الذي أدى إلى مقتل جندي نيجيري والاستيلاء على معدات وأسلحة، إلى بداية مرحلة جديدة في مسار التمدد الميداني للتنظيم داخل فضاء غرب إفريقيا، بعد سنوات من تمركز نشاطه في مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
ولا يمكن عزل هذا الحدث عن استراتيجية أوسع تتبناها الجماعة لربط فضاء الساحل بخليج غينيا، وتكشف معطيات التوقيت والموقع أن العملية جاءت استجابة لمخطط معلن منذ يونيو الماضي، حين أعلنت الجماعة نيتها إنشاء كتيبة في نيجيريا، في ما يبدو أنه ترجمة عملية لتلك التوجهات.
ويبرز اختيار ولاية كوارا، ذات الموقع الحدودي المعقد، رغبة التنظيم في توسيع مجال مناورة قواته وربط مساراته بين نيجيريا وبنين، في منطقة تشهد هشاشة أمنية وغيابا نسبيا للرقابة العسكرية.
ويأتي توقيت الهجوم بعد أسابيع من إعادة هيكلة الجيش النيجيري من قبل الرئيس بولا تينوبو وعزل قياداته السابقة، إدراكا من الجماعة لثغرات مؤسساتية يمكن استغلالها في هذه المرحلة.
ويستفيد التنظيم، وفق تقديرات Policy Center for the New South، من دينامية “اللامركزية العملياتية” التي تسمح له بتنفيذ هجمات محدودة التأثير العسكري، لكنها عالية الرمزية، في مناطق جديدة لإثبات قدرته على التمدد وكسر الحدود السياسية، ويشير هذا التكتيك إلى مستوى متقدم من جمع المعلومات الميدانية وتوظيف الموارد المحدودة لتحقيق أثر استراتيجي يتجاوز حجم العملية نفسها.
ويعيد دخول الجماعة إلى نيجيريا توجيه الأنظار نحو طبيعة الصراع بين تنظيمي “القاعدة” و”داعش” في المنطقة، إذ تسعى القاعدة عبر واجهتها في الساحل إلى استعادة المبادرة بعد تراجع نفوذ داعش في بعض مناطق شمال شرق نيجيريا.
وتستغل الجماعة خطاب المظلومية الاجتماعية والتهميش الاقتصادي لتجنيد عناصر محلية وتوسيع نفوذها في المناطق الريفية والحدودية، ما يمنحها هامشا اجتماعيا للحركة ويعقد مهام الأجهزة الأمنية في رصدها.
ويلاحظ أن الجماعة تبني تمددها عبر شبكات محلية أكثر من اعتمادها على هيكل هرمي صارم، مما يعزز مرونتها ويقلل من إمكانية اختراقها استخباراتيا.
وتعتمد الجماعة، وفق دراسات ميدانية حديثة، على تطوير أدواتها التقنية واللوجستية في مجال الرصد والتحرك، بما في ذلك استخدام طائرات دون طيار، وتكثيف عمليات التجنيد عبر وسائط رقمية وشبكات عابرة للحدود.
ويعني ذلك أن التهديد القادم من “نصرة الإسلام والمسلمين” أصبح مشروعا متكاملا يسعى إلى التموقع في بيئة استراتيجية جديدة قادرة على تأمين التمويل والتجنيد والعمق الجغرافي.
وتفيد المعطيات أن الجماعة تستفيد من إعادة توزيع النفوذ بين التنظيمات الإرهابية في غرب إفريقيا، مما يتيح للقاعدة تعزيز حضورها على حساب داعش، مع استثمارها في الفوضى الحدودية وتراجع الوجود العسكري الفرنسي في المنطقة.
ويؤكد هذا التحول أن التنظيم يسعى إلى هندسة خريطة جديدة للتمدد الجهادي في إفريقيا تقوم على اللامركزية، وتستهدف مناطق لم تشهد تاريخيا نشاطا إرهابيا منظما.
ويقتضي التعامل مع هذا التهديد اعتماد مقاربة متعددة الأبعاد تشمل التنسيق الاستخباراتي، وتعزيز المراقبة الحدودية، وإطلاق برامج تنموية موجهة للمناطق الهشة التي تشكل خزانا بشريا محتملا للتنظيمات المتطرفة.
مع اشارة مهمة الى ضرورة اعتبار كسب ثقة السكان المحليين عاملا حاسما في منع الجماعات من إيجاد حاضنة اجتماعية تتيح لها الاستقرار وإعادة التموضع.
يلاحظ في ضوء المستجدات الميدانية أن جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” انتقلت من مرحلة الانتشار الواسع داخل فضاء الساحل إلى مرحلة بناء تمركز نوعي داخل دول جديدة ذات أهمية استراتيجية واقتصادية متزايدة.
ويعني هذا التحول أن البنية الأمنية في غرب إفريقيا تشهد عملية إعادة تموضع مرشحة للتوسع، حيث لم يعد الخطر الإرهابي مقتصرا على المثلث التقليدي الذي يضم مالي والنيجر وبوركينا فاسو، بل أصبح يمتد تدريجيا نحو مناطق أكثر استقرارا نسبيا في السابق، مثل نيجيريا وبنين، بما يعكس انتقال الجماعة من منطق الحركة العابرة للحدود إلى منطق التموقع الدائم واستثمار الهشاشة الأمنية في الأطراف المتصلة بخليج غينيا.
ويؤكد ذلك أن الصراع في الساحل يتحول من نزاع محدود جغرافيا إلى مواجهة إقليمية مفتوحة تتطلب رؤية موحدة تتجاوز حدود كل دولة، في سبيل حماية أمن المنطقة ومنع تكرار سيناريوهات الفوضى الممتدة التي عاشتها منطقة الساحل خلال العقدين الماضيين.
التعليقات