بين التفكيك الوقائي والتعاون الدولي: كيف يواجه المغرب الإرهاب العابر للحدود؟

دينبريس
2025-02-01T08:35:28+01:00
تقارير
دينبريس1 فبراير 2025آخر تحديث : السبت 1 فبراير 2025 - 8:35 صباحًا
بين التفكيك الوقائي والتعاون الدولي: كيف يواجه المغرب الإرهاب العابر للحدود؟

سعيد الزياني ـ دين بريس
تمثل العمليات الأمنية الاستباقية التي ينتهجها المغرب نموذجا متقدما في مواجهة الإرهاب، حيث تقوم المقاربة الأمنية على منهجية متكاملة تتجاوز المفاهيم التقليدية للتصدي للخطر، لتتحول إلى منظومة استخباراتية ديناميكية ترتكز على الرصد المبكر، الاختراق المعلوماتي، والتحليل العميق لمصادر التهديد، هذا التطور منح المغرب قدرة استثنائية على وأد المخططات الإرهابية في مهدها، مما عزز موقعه كفاعل محوري في الأمن الإقليمي وشريك استراتيجي في الجهود الدولية لمكافحة التطرف.

وحين أجهضت الأجهزة الأمنية مشروع “الأشقاء الثلاثة” بحد السوالم، لم تكن المواجهة ضد خلية معزولة، بل مع امتداد لشبكة إرهابية ذات صلات خارجية، قادرة على الاستفادة من موارد تقنية ولوجستية متطورة. وتؤكد هذه الحادثة أن التهديد لم يعد وليد بيئة محلية، بل تترابط خيوطه مع كيانات تتجاوز الحدود، الأمر الذي يستوجب استراتيجيات أكثر تعقيدا، تستند إلى التعاون الاستخباراتي العابر للقارات، والقدرة على كشف الروابط الخفية بين الجماعات الإرهابية والممولين، وممرات الدعم التي تغذيها.

ولم تعد التنظيمات المتطرفة تراهن على وسائل التجنيد الكلاسيكية، وإنما تحاول صياغة تقنيات أكثر دهاء، تستثمر في “العلاقات الأسرية” لضمان ولاء غير مشروط، وتحصين أفرادها ضد الاختراق الأمني، مما يفرض تحديا مضاعفا، حيث يحتاج التصدي له إلى أدوات استخباراتية دقيقة قادرة على التسلل داخل شبكات مغلقة تحكمها “روابط الدم”، وتستفيد من تماسكها لحماية عناصرها من الرصد.

وعلى صعيد الجغرافيا السياسية، أصبح من غير المقبول اختزال الخطر الإرهابي في مجموعات متشددة متفرقة، بل بات جزء من مشهد إقليمي معقد تتداخل فيه الجريمة المنظمة مع الإرهاب، فتتحول بعض المناطق إلى محاور لتهريب الأسلحة والمخدرات والاتجار بالبشر، حيث يزدهر التطرف في ظل اقتصاد الفوضى.

وتوفر منطقة الساحل، بما تمثله من خاصرة رخوة في الأمن الإقليمي، بيئة مثالية لهذا التلاقي الخطير بين الإرهاب والجريمة المنظمة، وهو ما يستدعي مقاربات أمنية أكثر شمولا، تتجاوز الحلول التقليدية وتعتمد على شبكة تنسيق استخباراتي (داخلي وخارجي) متقدمة بين شمال إفريقيا وأوروبا لرصد التحولات الطارئة وضبط مسارات التهديد قبل استفحالها.

وتشكل السياسات الجزائرية، الداعمة للحركات الانفصالية مثل البوليساريو، تحديا إضافيا لاستقرار المنطقة، إذ أن المناطق الخارجة عن السيطرة الرسمية توفر فضاء مثاليا لتمدد الجماعات الإرهابية، التي تستفيد من غياب الرقابة لترسيخ حضورها ونسج تحالفات مع مافيات التهريب وشبكات الجريمة العابرة للحدود.

واستمرار هذا النهج لا يهدد المغرب فحسب، بل يضاعف المخاطر الأمنية على المنطقة بأكملها، مما يستوجب رؤية استراتيجية ترتكز على التعاون بدل تأجيج النزاعات، وعلى تحالفات أمنية قادرة على قطع الطريق أمام تمدد هذه التنظيمات داخل الفراغات الجيوسياسية.

وتجاوز الدور المغربي مع هذه المعادلات الدولية المستجدة حماية حدوده، ليمتد إلى فضاءات أوسع، حيث أصبح عنصرا محوريا في منظومة الأمن العالمي، يساهم بمعلومات استخباراتية حاسمة في إفشال مخططات إرهابية في أوروبا وإفريقيا، وذلك نتاج رؤية استراتيجية تضع التنسيق الأمني في صلب معادلة التصدي للخطر العابر للحدود، مما جعل المغرب شريكا موثوقا في الحوارات الأمنية الكبرى، وركيزة أساسية في إعادة صياغة مفهوم الحرب على الإرهاب ضمن بعد دولي أكثر شمولا.

لكن المعركة ضد الإرهاب لا يمكن أن تقتصر على الميدان الأمني وحده، فالجذور الفكرية تظل الخزان الحقيقي الذي يغذي هذه الظاهرة، مما يفرض ضرورة تبني مقاربة مزدوجة تجمع بين القوة الصلبة، القادرة على تفكيك الشبكات الإرهابية، والقوة الناعمة، التي تعمل على تجفيف المنابع الفكرية، وإعادة تأهيل الأفراد المتأثرين بأيديولوجيات التطرف.

وتقدم التجربة المغربية في هذا الإطار نموذجا متكاملا، حيث لم تقتصر الجهود على تحييد العناصر الخطرة، بل شملت أيضا تفكيك البنية الفكرية التي تحتضنها، عبر مشاريع إعادة التأهيل، والتصدي لخطابات الكراهية، وتوفير بدائل اجتماعية تقلل من قدرة هذه التنظيمات على استقطاب الفئات الهشة.

ومن الضروري الإقرار بأن التهديد الإرهابي توسع ليشمل الفضاء الرقمي، حيث تحولت التكنولوجيا إلى ميدان خفي تستغله التنظيمات المتطرفة لنشر دعايتها، واستقطاب عناصر جديدة، وتأمين مواردها المالية عبر شبكات تمويل سرية معقدة.

وفرض هذا التطور على الدول تطوير منظومات أمنية سيبرانية متقدمة، إذ أصبح الأمن الرقمي جبهة أساسية في مواجهة الإرهاب، تتطلب قدرات استخباراتية قادرة على تعقب الأنشطة المشبوهة، وتعطيل البنية الإلكترونية التي تعتمد عليها الجماعات الإرهابية في التخطيط والتجنيد وتنفيذ عملياتها.

إن التزام المغرب بنهجه الأمني المتكامل يشكل ركيزة استراتيجية لضمان استقرار الوطن وتعزيز أمنه الإقليمي والدولي، لكن فعالية هذه الجهود تظل مرهونة بمدى وعي المجتمع بحجم التهديدات الإرهابية، وإدراكه أن المواجهة لا تنحصر في تفكيك الخلايا المسلحة، بل تشمل أيضا حماية العقول من اختراق الفكر المتطرف، وتجفيف منابع التطرف قبل أن تتشكل منها بؤر تهدد الأمن الوطني.

وأي تهاون في هذا الجانب قد يترتب عليه عواقب جسيمة، في بيئة أمنية عالمية أصبحت فيها التنظيمات الإرهابية أكثر قدرة على التكيف، حيث تتحرك كشبكات متشعبة تستغل كل ثغرة متاحة لزعزعة استقرار الدول وإعادة إنتاج خطرها بأساليب متجددة.

وهناك نقطة بالغة الأهمية في معادلة مكافحة الإرهاب، فإلى جانب المواجهة المباشرة مع التنظيمات المتطرفة، يبرز صراع من نوع مختلف، تديره جهات توظف أدوات غير تقليدية لإضعاف منظومة الأمن الوطني، وتعتمد هذه الأطراف على حملات تشكيك ممنهجة، تستهدف ضرب الثقة بين المجتمع ومؤسساته الأمنية، وإضعاف الروح الوطنية عبر بث الشكوك والتأويلات المغرضة.

وقد تتحول هذه الحرب النفسية والإعلامية، التي تتجاوز حدود المواجهة الميدانية، إلى ثغرة استراتيجية إذا لم تتم مواجهتها بوعي وحزم، إذ أن أي تصدع في الثقة المجتمعية يفتح المجال أمام التنظيمات الإرهابية لإعادة بناء شبكاتها، واستغلال الفوضى الناتجة عن زعزعة الاستقرار المؤسساتي.

إن الحفاظ على الأمن الوطني هو مسؤولية جماعية تتطلب يقظة دائمة ووعيا مجتمعيا متماسكا قادرا على كشف المحاولات الهادفة إلى إضعاف الدولة، والتصدي لها قبل أن تتحول إلى مدخل جديد لانتعاش التطرف.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.