النظام العالمي الجديد .. (أفول أمريكا وصعود الصين)

ذ. حسن حلحول
آراء ومواقف
ذ. حسن حلحول13 مارس 2022آخر تحديث : الأحد 13 مارس 2022 - 9:09 مساءً
النظام العالمي الجديد .. (أفول أمريكا وصعود الصين)

بقلم الاستاذ حسن حلحول محام بهيئة الرباط
إن تاريخ البشرية حافل بالعبر وهي كلها محفوفة بالمخاطر التي تحدق به، وقد تكون اولا هذه المخاطر صادرة من الطبيعة التي مازال الإنسان يصارعها ويقاومها، إلى أن وصل إلى ما وصل إليه من إعلان في العصر الحديث عن حرب ضروس ضدها، وها هي تنقلب ضده من خلال البحث عن الحلول للاحتباس الحراري الذي يهدد الحياة بصفة عامة بالفناء.

وقد تكون ثانيا المخاطر التي تطوقه من صنع الإنسان تجاه الإنسان وهي التي تتمثل في الحروب والإبادة الجماعية الناتجة عن الميز العنصري أو العقائدي والديني. فلا يمكن أن نتصور وفق المعطيات المتوفرة الآن، والثابتة من خلال تزايد حدة الصراعات الحضارية بين الدول العظمى حول من يقود العالم ويتحكم فيه على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والمالية والعسكرية والاتصالات المعلوماتية (التحكم في المعلومة)، وأن من يعتقد أن العالم يعيش في عالم المثل أي عالم بدون حروب فهو مخطئ، ولقد علمنا التاريخ أن الإنسان لا يمكن أن يتعايش بدون حروب سواء مع الطبيعة أو مع الإنسان.

إن سباق التسلح النووي والتكنولوجي والبيولوجي، وعودة التهديد إلى الواجهة المتمثلة في حرب الفضاء أو النجوم الذي بدأها الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان في ثمانينات من القرن 20، فمن هنا وقبلها الأزمة الكوبية في أكتوبر 1962 تنبئ أن العالم مقبل على حرب مهما حاول الإنسان تأخيرها ، وهي حرب مدمرة للكون والحضارة الإنسانية التي حاول بناءها، اولا لإخضاع الطبيعة، وثانيا للاستفراد بقيادة العالم.

إن التطور التكنولوجي المهول الذي كان في السابق مجرد خيال أصبح يتحقق في الواقع، إن الأخطر من هذا وذاك هو التجارب الخطيرة التي تجريها الصين، بشكل متسارع استعدادا لبناء العالم ما بعد الديموقراطية ، وما بعد التكنولوجية ليكون لها القوة والغلبة “التدميرية الصامتة ” أي القضاء على العدو دون تدمير العمران أو البنية التحتية، ويتجلى ذلك في محاولة امتلاكها شمس الصين وقمرها الاصطناعيين، يتحركان وفق أوامرها، فيمكن أن تستخدمه في الحروب لإبادة العدو باحراقه بالحرارة المصنوعة التي تصل حرارتها أضعاف حرارة الشمس الطبيعية ، والتي تزعم أنها اعدت لأغراض إنسانية فحسب.

إن فلسفة الكونفوشيوس التي تحاول نشرها الصين في العالم من خلال تزايد أعداد المراكز تدريسها في العالم وخاصة في الدول الفقيرة من أجل تعليم اللغة الصينية ” الماندرين ” بل إنها قامت بتحويل حروفها إلى اللاتينية استعدادا للقفز على قيادة العالم ، وتصبح فيها أوروبا وأمريكا دولا إقليمية، فمذ توحيد الصين على يد الإمبراطور شي هوانغ دي، وهي تحاول بناء دولة قوية وبناء حضارة عالمية.

إن الصين كانت عظيمة وستصبح في المستقبل القريب، أعظم دولة في العالم بل إن المؤشرات الاقتصادية المالية السياسية العسكرية تنبئ على أنها ستصل إلى قيادة العالم، ولن يكون ذلك بالسهل إلا باندلاع حروب اقتصادية التي ستجرها إلى الحرب العسكرية مع والولايات المتحدة الأمريكية، التي تشن عليها بدون هوادة.

فإذا كان استطاع شي هوانغ دي توحيد الصين، فان ماو تسي تونغ يعتبر المؤسس للثورة الأول في الصين بعد هزيمته للقوميين، ويمكن تقسيم التاريخ المعاصر للصين إلى ثلاث ثورات أساسية غيرت وحولت البنية العقلية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية للصين وهي :

–الثورة الأولى: قادها ماو تسي تونغ وذلك بانتصار شيوعية الصين في سنة 1949 على القوميين وأصبحت تمثل النموذج الصيني الاشتراكي الذي لم يشبه أنظمة الدول الاشتراكية الأخرى وأعلن عن الثور الثقافية وقال قولته المشهورة “لقد نهضنا”، بالرغم من تبني الماركسية، إلا ان كان هناك كما هو معلوم خلاف أيديولوجي كبير مع الاتحاد السوفياتي سابقا. وبقي مخلصا لقولته لقد نهضنا وفعلا انهض الصين من سباتها إلى أن توفي في سنة1976م.

— الثورة الثانية: قادها الرجل الهادئ والحازم وهو دينغ شاو بينغ في سنة 1978م إلى 1992م، استطاع أن يحول الصين من بلد فلاحي إلى بلد صناعي، وذلك عندما قرر ادخال إصلاحات اقتصادية والانفتاح عن الأسواق العالمية، وأخرج الصين من عزلتها عن العالم، وجعلها أكبر مصدر على وجه الأرض، وفتح الباب للاستثمارات الغربية للاستفادة من اليد العاملة الرخيصة التي توفرها الصين للشركات والمؤسسات التجارية، وتنبأ بالصعود إلى اللعب دور اللاعبين الكبار في العالم.

الثورة الثالثة: هي التي يقودها شين جي بينغ منذ توليه السلطة سنة 2012 م إلى الآن ليكمل ما بدأه اسلافه، متوعدا في خطابه بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي “، ان زمن الذي يداس فيه على الشعب الصيني ولى إلى غير رجعة الذي يداس فيه عليه و يضطهد،” وقال ايضا ” إن الحزب الشيوعي الصيني ، والشعب الصيني يقولان للعالم رسميا، أن الشعب الصيني نهض” وأن قرن الإذلال من 1921 الى 2021 قد ولى، لم يعد الفقر يقلق الصينيين وأن الشعب الصيني رجع إلى عصره الذهبي.

إن الرئيس الصيني اعتمد على مقومات تاريخ الصين، ليستمد منه قوته كما اعتمد على أفكار ماو تسي تونغ وعلى نظرية دينغ شاو بينغ، وعلى أدبيات الحزب الشيوعي المبنية على الماركسية الصينية، كما أنه استطاع تجنب الفيتوقراطية، وان الاهتمام ودراسة الرأسمالية وتوظيفها أمر ضروري لتطوير الاشتراكية في الصين وعدم المساس بمبادئ الثورة.

لقد استطاعت الصين بعد تخلصها من الوباء كوفيد 19 في ظرف وجيز أن تقود العالم في هذه الفترة الحرجة بتقديمها الدعم لكل دول العالم، وبرزت على مسح السياسية الدولية التي تنبئ أنها قادمة لقيادته، فكيف تحكم الصين العالم؟ وما هي العقلية أو الأيديولوجية التي ستسود؟ وما هو شكل العالم الذي ستديره؟ وهل ستصبح العولمة الصينية بديلا للديمقراطية الامريكية؟.

إن القوة الناعمة للصين التي تنهجها تتمثل في وضع الأيديولوجيا جانبا، ولا يتم التركيز عليها في ربط العلاقات الدولية، والأخذ بالمذهب النفعي كمبدأ أساسي يحكم العلاقات الدولية ضمن حقائق أساسية مستقبلية، وهي أن علاقات الدول تنبني على أساس بناء المصالح المتبادلة وليس الأيديولوجيات.

إن شي جين بينغ يرى أن الظروف الحالية العالمية فرصة سانحة أمامه، لكي يجعل الصين تلعب دور الكبار في العالم، وذلك باستغلال التطور الاقتصادي الذي تعرفه بشكل كبير أبهر كل المختصين الاقتصاديين في الغرب عامة، وكذلك التطور التكنولوجي عامة وثورة التكنولوجيا المعلوماتية خاصة، والجيوسياسي الذي يعيشه العالم بسبب الحرب الروسية الأوكرانية التي تمخض عنها الحرب الاقتصادية ضد روسيا ، ان هذه الظروف يستوعبها حين شي بينغ جيدا من شأنها أن تشكل التحول في ميزان القوى على المستوى العالمي، فمهما كانت الاتفاقيات المبرمة بين الصين وروسيا، فأنها تبقى مجرد تكتيك تفرضه غطرسة أمريكا في تعاملها مع الدولتين وبالتالي فإن هذه الاتفاقيات تبقى وقتية قابلة للانهيار في كل لحظة حسب مصالح الدولتين التي دائما تعرف توترا.

ولقد حدد الزعيم الصيني رؤية مستقبلية جديدة للعالم في عام 2049م تتمثل في وضع خريطة الطريق لتدبير العالم وقيادته، ذلك بوضع تصميم هادف نحو هندسة العهد الجديد في النظام العالمي وفي التعددية القطبية بواسطة الصبر التكتيكي سيربك الغرب ويضعف أمريكا، وهذا التحرك الزاحف بهدوء يتمثل اقتصاديا في خلق بنك التنمية الجديد وهو بنك متعدد الأطراف تديره دول ” البريكس” (البرازيل + روسيا + الهند+ الصين +جنوب افريقيا).

إن كل المؤشرات العالمية تشير أن العالم مقبل على تطورات لن تتحكم فيها امريكا، وهي مفتوحة على كل الاحتمالات وارجحها الحرب بين الصين وأمريكا حتى يتم الجلوس على طاولة الحوار والمفاوضات الند بالند بين البلدين القويين، وقد يكون ذلك اسرع مما نتصور نظرا لما سيعرفه النظام الصيني من تغيرات هيكلية في الحزب الشيوعي بوفاة شي جين بينغ الذي سيكون عمره في سنه 2049 م قد أشرف على 96 عاما لأنه من مواليد 1953م، وإذا بقي حيا فإنه لن يستطيع أن يحكم الصين بحكم سنه المتقدمة.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.