الناصري: التعريف الاصطلاحي لمفهوم “الردة” قد يُوظَّف لتبرير التكفير بالأقوال والأفعال
أحمد المهداوي/كاتب صحافي
كثيرةٌ هي الإشكالات الفكرية العالقة المطروحة على الباحثين والمهتمين والمشتغلين بقضايا الفكر، العربي/الإسلامي على وجه الخصوص، والتي مازال النقاش فيها قائماً وحاضراً إذ تبرز بين الفينة والأخرى كقضايا شائكة وملتبسة في حاجة إلى مزيد من الدراسة والتفكير والتأمل والتعمق لإيجاد حل جذري أو توافقي أو الوقوف على عتبات الحل كأقل تقدير.
ولما كانت الإشكالية في جوهرها محاولة لوضع اليد على أسباب المرض من أجل وصف وتقديم العلاج المناسب، فإنه كان لزاماً على الباحث أن يقوم بصياغة إجرائية لجملة من الأسئلة الجديرة بالطرح، والتي تقتضي إمكانية التقصي بُغية إيجاد إجابة محتملة للقضية موضوع النظر والدراسة.
وكمهتم ومشتغل بقضايا الفكر العربي/الإسلامي المعاصر فقد قدّم الدكتور محمد الناصري، أستاذ الفكر الإسلامي والباحث المتميز قراءة تشريحية لمفهوم الردة تتميز هذه القراءة بالعمق المعرفي في الدراسات الإسلامية سواء التراثية أو المعاصرة على حد سواء.
يطرح الدكتور الناصري مفهوم الردة، كمصطلح فقهي ساع استعماله في كتب الفقه الإسلامي، مُقارباً إياه من الناحيتين اللغوية والاصطلاحية؛ إذ تأتي الردة كمعنى “الرجوع عن الشيء إلى غيره، فيقال: رددته فارتد أي: رجع” ليلخص الباحث إلى أن المُراد اللغوي لمفهوم الردة/الارتداد القصد منه التحول عن الإسلام، وأن المرتد هو من رجع عن دينه وكفر بعد إسلامه.
أما من الناحية الإصطلاحية فيبسط، أستاذ التعليم العالي بجامعة المولى سليمان، رؤية الفقهاء والمفسرين لمصطلح الردة إذ يتحدد لدى الفقهاء بوصفه “قطع الإسلام بنية الكفر أو قول كفر أو فعل كفر سواء قاله استهزاءً أو عناداً أو اعتقاداً” فيكون بذلك المرتد، حسب الرؤية الفقهية، هو “المكلف الذي يرجع عن الإسلام طوعاً إما بتصريح بالكفر، أو بلفظ يقتضيه، أو بفعل يتضمنه”.
ثم يُورد الباحث معنى الردة عند المفسرين، والذي يأتي بمقصود “ترك المسلم لدينه وارتداده عن الإسلام إلى دين آخر أو إلى الكفر والإلحاد، سواء بقول أو فعل أو اعتقاد”، وهنا يتضح بأن الرؤية التفسيرية تتسق مع الرؤية الفقهية في مُقاربتها لمفهوم الردة.
وفي السياق ذاته، يسجل الدكتور الناصري، الباحث بوحدة تفكيك خطاب التطرف، بالرابطة المحمدية للعلماء، أن التعريف الاصطلاحي المقدم من جانب الفقهاء والمفسرين يمكن أن يُتخذ كذريعة وحجة لأهل التطرف في التكفير بالأقوال والأفعال.
ليخلص الباحث محمد الناصري، خلافاً للرؤيتين الفقهية والتفسيرية، بأن التعريف الاصطلاحي الوجيه للردة هو اعتبارها “جريمة يخرج مرتكبها عن النظام العام للدولة”، وأن أمر المرتد “موكول للقضاء وهو الجهة الوحيدة المعنية بتنفيذ الأحكام المترتبة وفق ضوابط وإجراءات قضائية تضمن الحرية الفكرية والاعتقادية، وتبين الحقائق وتوضيح الشبهات وحفظ الأمن المجتمعي”.
وبناءً على هذه الخلاصة تبدأ مناقشة الدكتور الناصري للنصوص المتعلقة بالردة والأحكام الفقهية المترتبة عليها مستعيناً بمنهج تحليلي نقدي متكامل يجمع بين الفهم العميق للنصوص الشرعية والتوظيف الأمثل للأدوات المنهجية مع استيعاب دقيق لسياق ومتغيرات الواقع.
التعليقات