عبد الرزاق سماح ـ باحث وكاتب في الفكر والحركات الإسلامية.
بسم الله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، سيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
لقد اتصفت نسخة نهائيات كأس العالم 2022 لكرة القدم للأمم بصفة القيم والمبادئ الإنسانية الرفيعة، وكان بطل هذه النسخة بامتياز هو المنتخب المغربي بشهادة المتخصصين والناس أجمعين في كل أرجاء المعمور. وقد تساءل الكثيرون عن سر هذا التميز والحضور الملفت للمنتخب المغربي.
لابد أن نعرف أن جل لاعبي المنتخب المغربي تربوا في الغرب ومنهم من ولد فيه، لكن تربيتهم الحسنة تلقوها علي يد أمهات عظيمات ذوات السمات المغربية البدوية الأصيلة التي تشبه أمهاتنا جميعا، أمهات خادمات في البيوت، وعاملات في النظافة بعزة نفس وكبرياء وكرامة. وعلى يد آباء بسطاء هاجروا وكدوا وتعبوا في سبيل تربية أبنائهم أحسن تربية.
فرغم المستوى التعليمي البسيط للوالدين لكنهم غرسوا في هذا الجيل من أبناء المهجر قيم الدين والتشبث بالهوية والأصالة المغربية (الإسلامية الأمازيغية العربية)، فأظهر هؤلاء الأبناء البررة (منتخب المرضيين) كما أطلق عليهم الإعلام ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال لجوئهم إلى أحضان أمهاتهم افتخارا بهن لإظهار صفة الأسرة المتلاحمة وموقع الأم السامي فيها، فأعطوا دروس قيمة للعالم في الأخلاق والقيم، وأعلوا من مرتبة الأسرة والعلاقات الإنسانية والاجتماعية.
لقد كانوا يسجدون لخالقهم حين تسجيل هدف أو نصر أو انتهاء مقابلة، وذلك تصرف إيماني تلقائي جميل، ولا أحد يقول إنها فتح للقدس أو الأندلس كما يردد بعض المنتقدين. كما أظهروا روحا قتالية عالية (النفس الحارة)، كنا نراها في وجوه اللاعبين وهم يدافعون على قميصهم، كما أظهروا ردود أفعالهم الرجولية القوية عندما كان يحاول لاعب من فريق الخصم إهانة أحدهم وذلك بأخلاق عالية.
أما الشعوب العربية والإسلامية عموما وشعب إندونيسيا خصوصا وهم يشجع المنتخب المغربي بالصلاة على النبي المختار صلى الله عليه وسلم، فهو يعلم أن كرة القدم لن تعيد أمجاد الأمة، لكنه تعبير عن الحبل الرابط والعاصم لهذه الأمة. وإلا من الذي يجعل العربي والأعجمي يشجع المنتخب المغربي، حتى وصل إلى اجتماعات نواب البرلمان التركي، إنها أمة واحدة في حقيقة الوجود لا يصنعها الإعلام ولا يستطيع أن يلغيها.
هذا الجيل من أبناء المهجر هم من أصل المغرب ومستقبله الذي سيساهم في نهضته ورفع رايته بين الأمم، ونحن نشيد بمجهوداتهم ومجهودات الطاقم التقني وعلى رأسهم وليد الرجراجي، على حسن صنيعهم في إبراز النموذج الصالح للشباب المغربي المتشبث بدينه وقيمه والبار بوالديه، وكذا الاستماتة التي لعبوا بها لتشريف صورة المغرب وتمثيل الأمة الإسلامية والعربية والأفارقة. كما أنهم لم ينسوا تشبتهم بقضايا الأمة الإسلامية برفع علم فلسطين في هذا المحفل العالمي الذي نظمته دولة قطر الشقيقة جزاها الله خيرا على صنيعها وحسن استغلالها لهذه المناسبة لتجلية البعد الحضاري للمسلمين.
ولا عزاء للصناعة التي حاولت جهات معينة في المغرب الترويج لها من خلال النموذج الطوطوي باعتباره من الجيل الجديد الذي يفتخر بتدخين الحشيش وشرب الخمر على الهواء مباشرة دون حياء، ويسب الدين والملة، ولا لغة له إلا الكلام البذيء. لكن والحمد لله مع المونديال ظهرت نماذج الشباب المغربي الحقيقي الذي رغم نشأت أغلبهم في بلاد الغرب ألا أن جينات الرجولة والأصالة والدين والقيم ورضا الوالدين، وعزة الانتماء للأمتهم الإسلامية ووطنهم الأم ظلت في معدنهم وفي أعماق أنفسهم، لأنهم رضعوها من حليب أمهاتهم، كما أن مُعجَمَ النية ورضاء الوالدين والحمد لله وإن شاء الله هو السائد على ألسنة اللاعبين والمدرب الوطني.
وإن كان كل من طوطو وأمرابط وليدات المغرب سيحتضنهم جميعا، لكن توجيه الآلة الإعلامية التافهة للترويج للوجه الطوطاوي للمغرب وإخفاء النمادج المرابطية المشرفة هو سعي يائس بائس إلى كبح وفرملة مسيرة المغرب نحو التقدم والازدهار، والمسيرة التي بدأها أجدادنا الشرفاء بعرق جبينهم ماضية ولن تتوقف أبدا، حيث حنا دايرين النية والنية كتغلب.
إن المنتخب المغربي هو الفائز الحقيقي في هذا المونديال، فاز بالاحترام والتقدير من كل الشعوب المتعطشة للقيم والرحمة الإنسانية، لقد زرعوا الأمل في قلوب المستضعفين، وفتحوا المجال للحلم بقدرات وطنية ذاتية، وثقة بالنفس واعتزازا بالدين والأصل، فهنيئا لنا نحن المغاربة خاصة والمسلمين والعرب عامة، والأفارقة معنا جميعا…..
والحمد لله رب العالمين.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=19255