2 أغسطس 2025 / 12:11

المناظرة كمرآة للشرخ الاجتماعي: قراءة سوسيولوجية نقدية في مناظرة لحلو وعصيد

داحوس عبدوس
في الوقت الذي يتصور فيه البعض أن المناظرات الفكرية تدور في فضاء مجرد من التأثيرات البنيوية، تُظهر المناظرة بين محمد لحلو وأحمد عصيد أنها ليست سوى تمظهر لسجال أعمق بين قوى اجتماعية متناقضة. انطلاقًا من السوسيولوجيا النقدية، التي طورتها أسماء مثل بيير بورديو، يورغن هابرماس، وأطروحات مدرسة فرانكفورت، نعيد قراءة هذه المناظرة بوصفها انعكاسًا لصراع أنساق، لا مجرد اختلاف أفكار.
1- المناظرة كصراع على رأس المال الرمزي
 وفقًا لبورديو، المجال الثقافي هو حلبة يتنافس فيها الفاعلون على “رأس المال الرمزي”؛ أي الشرعية والاعتراف والهيمنة الخطابية. في هذا الإطار:
–  لحلو يسعى لإعادة مركزية المرجعية الإسلامية بوصفها منبعًا للشرعية الأخلاقية.
– عصيد يحاول نزع تلك الشرعية من الدين لصالح العقل وحقوق الإنسان.
المناظرة إذًا ليست نقاشًا معرفيًا بريئًا، بل صراع على من يملك سلطة “تعريف الحقيقة” في الفضاء العمومي.
2- الهيمنة والخطاب عند ميشال فوكو
يرى ميشال فوكو أن الخطاب ليس مجرد لغة، بل ممارسة سلطة. في ضوء هذا الفهم:
– خطاب لحلو يستبطن سلطة معيارية تمارس الرقابة باسم الدين.
– بينما خطاب عصيد يستبطن بدوره سلطة إقصائية عبر تأثيث العقل كمرجعية وحيدة.
فكلا الخطابين يمارسان “ضبطًا” للآخر، كل من موقعه، ما يجعل المناظرة مجالًا لإنتاج السلطة لا فقط تبادلًا حواريًا.
3- غياب الفعل التواصلي عند هابرماس
هابرماس ميز بين (الفعل التواصلي (الهادف للفهم) والفعل الاستراتيجي (الهادف للهيمنة. هذه المناظرة انزلقت بسرعة من الفعل التواصلي إلى الاستراتيجي:
– غابت نية الفهم المتبادل.
– حضرت لغة الحسم والتأكيد وتسجيل النقاط.
وبالتالي، لم يكن النقاش مجالًا لتلاقح المعاني، بل معركة سرديات متقابلة.
4- صناعة الوعي الزائف: مدرسة فرانكفورت
نقد هوركهايمر وأدورنو للإعلام الرأسمالي بوصفه آلية لإعادة إنتاج الهيمنة نجده حاضرًا في الشكل التلفزي للمناظرة:
– اختزال الزمن.
– البحث عن الإثارة.
– تحويل المثقفين إلى “مؤدين” داخل حلبة رأي عام مستقطب.
النتيجة: تعمق الوعي الزائف؛ حيث يتخيل الجمهور أن الصراع بين شخصين، بينما هو في حقيقته انعكاس لبنى اقتصادية وثقافية وتاريخية عميقة.
5- الحاجة إلى تفكيك اجتماعي لا جدل خطابي
المناظرة لم تتطرق إلى أسئلة جوهرية مثل:
– من يستفيد من استمرار الثنائية الدينية/العلمانية؟
– ما علاقة خطاب الهوية بالطبقة،و التعليم، والجهوية؟
     من هنا، تدعونا السوسيولوجيا النقدية إلى تجاوز ظاهر النقاش والولوج إلى تحليله كبنية تعيد إنتاج الهيمنة الثقافية تحت غطاء “الاختلاف الفكري”.
خاتمة
مناظرة  لحلو وعصيد ليست لحظة فكرية معزولة، بل تجلٍ لصراع أنساق عميق يتجاوز الشخصيات إلى البنى. السوسيولوجيا النقدية تكشف لنا أن الخطابات ليست محايدة، وأن الإعلام لا ينقل الواقع، بل يصنعه. لذا، فإن الطريق نحو نقاش عمومي حر لا يمر عبر الشاشات، بل عبر تفكيك البنى المنتجة لها.