سعيد الكحل
اعتادت تنظيمات الإسلام السياسي على تفسير الظواهر الطبيعية، من زلازل وفيضانات وأعاصير وبراكين وحتى الأوبئة ، “بغضب” الله وعقابه، في نكران تام لقوانين الطبيعة وإصرار على إشاعة التفكير الخرافي. لكن هذه المرة سيخرج المقرئ أبو زيد، أحد قيادات حزب العدالة والتنمية، عبر فيديو ، يحرض على الكراهية ويغاليٍ في تعطيل ملكة التفكير السليم. فيديو يروج لخطاب إيديولوجي خال من أبسط أبجديات التحليل العلمي.
ذلك أن أبو زيد استغل ظاهرة اختفاء النحل ، لأول مرة ، في عدد من مناطق المغرب ، ليطلق العنان لخياله المريض ومنهاجه السقيم وتفسيره المغرض، فربط بين اختفاء النحل وبين “التطبيع” مع إسرائيل. وبدل أن يبحث أبو زيد ، بقليل من الجهد ، في شبكة الانترنيت، عن ظاهرة اختفاء النحل في كثير من دول العالم ، سواء تلك التي تربطها علاقات دبلوماسية بإسرائيل أو التي تقاطعها ، حتى يكوّن فكرة عن مدى انتشار الظاهرة وتفسيرات الخبراء والباحثين لأسبابها ، لجأ إلى تعطيل المنهج العلمي لفائدة المثل الشعبي “طاحت الصمعة علقو الحجام”، أي “اختفى النحل علقوا إسرائيل”. إذ جاء في كلامه (اليوم قرأت خبرا في كل الجرائد الوطنية : اختفاء غير مفهوم للنحل. وبيان “لونسا” (الهيأة الوطنية للسلامة الغذائية )، زاد من الغموض لأنه لم يقدم تفسيرا مقنعا وذهب يمسح ذلك في الجفاف وفي التصحر وفي حرق الغابات … وأنا لا أريد أن أتسرع في الحكم. أول ما دمّر في مصر بعد التطبيع لأنه الأكثر هشاشة في مجالات الفلاحة هو النحل . والنحل يكفي بأن تقوم أول رشة مبيد حشري مسموم وإسرائيل متخصصة في هذا المجال ، ومن يقرأ كتب رفعة سيد أحمد عن هذا الاختراق الصهيوني للمجال الفلاحي في مصر مبارك وتونس بنعلي سوف يرى تفاصيل مرعبة في هذا المجال . وخبرة إسرائي التي تقدم لها أمريكا واضحة في هذا الأمر. وفي المغرب أكثر من 20 سنة كان ضغط السفارة الأمريكية دائما على التطبيع فيما يسمى بالبحث العلمي يبدأ بوزارة الزراعة ، ويبدأ بكليات الزراعة).
تصريح غبي ويحاول أن يستغبي بسطاء التفكير. تصريح من قيادي إسلامي يروم إثارة الفتنة بوضع الدولة موضع اتهام، ومن ثم التحريض على الاحتجاج قصد الضغط من أجل إلغاء التطبيع. فهو يشكك في كفاءة وخبرات مهندسي معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، وكذا أطر ” الهيأة الوطنية للسلامة الغذائية “. طبيعي أن يصدر هذا التحريض عن أبو زيد ، العضو في “الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع”، خدمة لأهداف مكونات هذه الجبهة، خاصة التنظيمات الإسلامية التي تشكل عمودها الفقري وتطالب بإلغاء التطبيع وقطع كل العلاقات مع إسرائيل.
إن هذه التنظيمات الإسلاموية تعتبر إسرائيل مصدر كل شرور العرب والمسلمين، سواء البيئية أو السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية ، كما لو أن هؤلاء العرب والمسلمين “سمن على عسل” فيما بينهم ، وتربطهم جميعا علاقات تعاون واحترام وحسن الجوار. إن الدمار الذي تحدثه ميليشيات الحوثي في اليمن ، بدعم من إيران، لم تحدثه إسرائيل في أي بلد عربي. فحتى مصر وسوريا اللتان كانتا في مواجهة مباشرة مع إسرائيل لم تتعرضا للدمار والقتل اللذين يتعرض لهم اليمن وطنا وشعبا. أما العداء الذي يضمره النظام الجزائري للمغرب ، منذ استقلال الجزائر ، لا يضاهيه عداء أي دولة. فعلى مدى سبع وأربعين سنة ، والنظام الجزائري يحتضن انفصالي البوليساريو ويسلحهم لمهاجمة المغرب. هذا العداء والعدوان لم يصدرا عن إسرائيل ضد المغرب، وإنما صدرا عن دولة “شقيقة” وجارة تربطنا بها روابط الدين واللغة والتاريخ والجغرافية.
إن ظاهرة اختفاء النحل، ليست وليدة اليوم ولا ارتبطت باستئناف العلاقات الدبلوماسية بإسرائيل، بل عرفتها وتعرفها عدة دول في مختلف القارات. إذ تمت ملاحظة الظاهرة في أوربا ابتداء من 1998 ، حيث تم تسجيل اختفاء معظم الشغالات في خلايا النحل. وفي عام 2006 ظهر مصطلح جديد في عالم نحل العسل، وهو مرض اعتلال خلايا النحل، المعروف علميًّا باسم “Colony Collapse Disorder”، حين بداية ظهور هذا المرض في أمريكا الشمالية. وقد تفشت الظاهرة حيث تخطت الخسائر في المناحل الحكومية، حسب وزارة الزراعة الأميركية ،نسبة 45 % عام 2012-2013 ، ثم نسبة 42.1 % عام 2014-2015.
أما في مصر، فقد بدأت هذه الظاهرة خلال عام 2019، علما أن التطبيع مع إسرائيل تم التوقيع عليه في شتنبر 1978، أي بعد أربعة عقود. أما في لبنان الذي لا تربطه علاقة دبلوماسية بإسرائيل ، فقد بدأت الظاهرة منذ عام 2006.
واضح إذن، أن ظاهرة اختفاء النحل ليست سياسية ولا مرتبطة بالتطبيع مع إسرائيل، وإنما يُرجعها الخبراء إلى عوامل عديدة: بيئية/ مناخية ، أمراض ، فيروسات. ولعل التفسير الإيديولوجي الذي قدمه أبو زيد لا يسهم في فهم الظاهرة ومعاجلتها بالطرق العلمية، بقدر ما يتجاوز المس بمصداقية الأطر المغربية المختصة في مجال الفلاحة، إلى التشويش على علاقات التعاون بين المغرب والدول الإفريقية في مجال نقل الخبرات والتقنيات الفلاحية إليها ؛ فيجعله محط شكوك وشبهات. إنه إضرار بسمعة المغرب وتلويث لصورته، وهذا يتناقض مع ما قاله أبو زيد نفسه في بداية الفيديو “ونحن نخاف على المغرب”. فعن أي خوف يتحدث أبو زيد وهو يكيل الاتهام للدولة المغربية ومؤسساتها الدستورية ولكل أطرها وخبرائها ؟
إن الذي يحب وطنه ويخاف عليه لا يمكنه أبدا أن يطلق هكذا اتهامات خطيرة على عواهنها. فالوطن فوق الحزب والجماعة والإيديولوجية.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=16425