بقلم د. سالم الكتبي
تنطوي الزيارة التي قام بها مؤخراً وزير الخارجية الاسرائيلي يائير لبيد للمملكة المغربية على أبعاد استراتيجية عميقة، فالمسألة لا تتعلق بزيارة تقليدية بل بتحقيق اختراق سياسي نوعي في سياسات البلدين، فضلاً عن كونها إضافة لواقع اقليمي جديد بدأ باقامة علاقات رسمية بين الامارات واسرائيل، وتكتسب هذه الاضافة أهميتها وثقلها من حقائق واعتبارات عدة أبرزها خصوصية الحالة المغربية الاسرائيلية منذ القدم بالنظر إلى وجود نحو مليون اسرائيلي من أصول مغربية، فضلاً عن مكانة وثقل المملكة المغربية الشقيقة في العالمين العربي والاسلامي، بما يدفع باتجاه ترسيخ ثقافة الاعتدال والتعايش واحلال السلام والأمن والاستقرار في منطقة خيمت عليها طويلاً ـ ولا تزال ـ ثقافة العنف وأجواء الحروب والصراعات الدامية.
هذا الحدث الذي وصفته الخارجية الاسرائيلية في حسابها على موقع “تويتر” بأنه يوم تاريخي” يعكس أجواء جديدة تسرى في منطقة الشرق الأوسط، حيث تسعى المملكة المغربية بقيادة الملك محمد السادس إلى دعم فرص تحقيق السلام والاستقرار بما يضمن حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة في اقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وذلك من خلال تشجيع الجانب الاسرائيلي على الانخراط بقوة في عملية سلام مع الفلسطينيين، من دون أن يؤثر هذا الجهد الدبلوماسي الذي تبذله المملكة المغربية وأشقائها في الامارات وغيرها على الدعم القوي الذي يقدم للقضية والشعب الفلسطيني.
الثابت في المسألة أن المملكة المغربية، قيادة وشعباً، هي أحد أبرز الداعمين للحقوق الفلسطينية المشروعة، ولا يمكن المزايدة على هذا الموقف الثابت الذي يشهد به الفلسطينيين أنفسهم قبل غيرهم، فالدبلوماسية المغربية العريقة تعرف جيداً قيمة بناء الجسور وبناء قنوات الاتصال والتواصل مع الآخر كسبيل لانهاء الصراعات وبناء السلام، كما تجيد في الوقت ذاته رسم دورها بدقة شديدة وتحديد أطر العلاقات الثنائية مع الدور بما يتماهى مع المصالح الاستراتيجية للدولة والشعب المغربي، ويعكس وعياً شديداً بحقائق ومتغيرات الماضي والحاضر وتوقعات المستقبل.
وشأنه شأن التوجهات الجديدة التي تسرى في منطقتنا، فإن الاعلان الخاص باستئناف العلاقات، الذي وقع في ديسمبر الماضي بحضور ممثلي المملكة المغربية واسرائيل والولايات المتحدة يركز على التعاون الاقتصادي والتجاري والفرص الاستثمارية، حيث يتوقع أن يجد التعاون المغربي الاسرائيلي سبلاً سريعاً للنمو والازدهار في ضوء الجسور الثقافية القديمة التي تلعب حتماً دوراً مؤثراً في دفع فرص التعاون الثنائي بما يخدم التنمية ويحقق طموحات الشعوب في مختلف المجالات.
على صعيد المصالح المتبادلة، هناك تقارير واحصاءات تشير إلى وجود نحو مليون اسرائيلي من أصل مغربي، وهذا يعني فرصاً كبيرة لتعزيز التدفقات السياحية في المملكة وزيادة موارد هذا القطاع الحيوي فضلاً عن احياء الروابط التاريخية للاسرائيليين من أصول مغربية بوطنهم الأم، كما يفتح هذا التعاون الباب أمام نقل وتوطين التكنولوجيا الحديثة التي تمتلكها اسرائيل في مجالات مثل الطاقة والمياه والزراعة فضلاً عن انظمة المعلومات وغيرها.
والحقيقة أن العلاقات بين المملكة المغربية واسرائيل هي تجسيد لحقائق التاريخ ومساراته، ولرسالة المملكة ودورها كإحدى العواصم العالمية التي ترمز للتسامح والتعايش بين الأديان، وتدفع باتجاه تقارب الحضارات، واعلاء مصالح الشعوب، وهذه كلها تمثل ثوابت تنطلق منها السياسة الخارجية المغربية تجاه مختلف دول العالم، فالمملكة بمكانتها وعمقها ودورها الحضاري تمثل محطة مهمة للتقارب والتواصل بين الحضارات والثقافات والأديان.
زيارة يائير لبيد للمملكة المغربية تأتي في سياق واقع استراتيجي اقليمي جديد نأمل جميعاً أن يقود منطقتنا إلى سلام حقيقي يستعيد فيه الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعه، ويتحقق لجميع الشعوب الأمن والاستقرار ويجد ملايين الشباب ضالتهم وطموحاتهم في غد أفضل.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=15361