ذ. محمد جناي
المشاعر الإنسانية من الصعب وصفها، إنها شيء يُحس من الداخل لا تصل إليه يد ولا تطوله عين ، ومن الصعب تحديد حجمها أو وزنها أو أبعادها ، ومن الصعب تتبع مصدرها وآثارها وكذلك من الصعب أن نحدد ماهو طبيعي منها وماهو غير طبيعي ، فالمشاعر تتداخل والقلوب تختلف والعقول تتباين والأرواح منازل والنفوس صنوف ، فالرجل غير الرجل ، والمرأة غير المرأة ، والرجل غير المرأة ، وإنه لأمر شاق أن نتناول موضوع الغيرة ، وعند المرأة بالذات ، فالصعوبة مركبة مضاعفة ، فالغيرة شعور محير غامض بالأسرار يخفيه الإنسان في معظم الأحيان ، وإذا أفصح عنه فبغضب وألم ، ومن الصعب أن نفهم هذه المشاعر منفصلة عن الإنسان ذاته، شخصيته، نوع ودرجة حبه، نضجه، وثقافته، طفولته ومشاكلها.
ولكن مايهون من الأمر أن الغيرة هي جزء أساسي من النسيج النفسي الإنساني، شعور بشري يقتحم وجدان الإنسان بلا إرادة وبلا وعي منذ مراحل الطفولة المبكرة جدا، وخلال مراحل عمره المختلفة، ولذا فالحديث عن الغيرة سيلقى تجاوبا في بعض جوانبه عند كل إنسان له وجدان حي، وسيلقى تجاوبا أكثر في كل جوانبه عند كل امرأة ، لأن الغيرة امرأة.
فالغيرة الطبيعية هي شعور صحي بناء يدفع إلى الانتباه والاهتمام من أجل الحفاظ على الحبيب والحب ، والعمل على تحقيق أهداف من أجل المستقبل ربما كنت تتجاهلها، أما في الغيرة المرضية فأنت تنكر على الطرف الآخر حريته ونضجه وتطوره، تحتكره لنفسك تماما ولا تشعر بالآمان إلا إذا شعرت بسيطرتك الكاملة عليه، الغيرة المشكلة إذن هي الديكتاتورية المطلقة ، ورغم الحب فهي تنطوي على قسوة وتدمير للحبيب إذا خرج عن نطاق سيطرتك ، إنه الحب المدمر.
ومن ملامح شخصية المرأة الغيور المحبة للامتلاك:
أولا : الشعور بالنقص
هناك في أعماقها في منطقة نائية مظلمة مجهولة توجد حفرة أو أخدود غائر نشأ عن جرح قديم مجهول السبب ، وأي إثارة لهذه المنطقة في الوقت الحاضر تشدها إلى أسفل، تثير لديها مشاعر سلبية سيئة بالدونية وعدم الجدوى وعدم القيمة وأنها لا شيء وأنها لا تستحق الحب وغير جديرة بالاهتمام ، وتظل هذه البؤرة تنضح ألما وعذابا ولوما بالذات، ولوم الذات هو جذور الشعور بالنقص ومعناه الهجوم على الذات.
ثانيا: حب السيطرة
أساس الغيرة المرضية الشعور بالنقص، إنه حجر الزاوية والقاعدة التي تنبني عليها مشاعر الغيرة وتتصاعد وتتضخم وتملأ العقل وتهز النفس وتفسد الرؤية وتؤذي الأعصاب وترهق الجسد وتشل التفكير ، ونقطة الارتكاز الثانية والتي توسع من الرقعة التي تستند ثم تبنى عليها الغيرة هي حب السيطرة ،المرأة الغيورة لا تصمت أبدا بل تصرخ بصوت مرتفع ولا تتورع عن الحديث بلا خجل وبلا حياء في أكثر المواضيع حساسية ، وإذا شعرت بإهمال زوجها أو حبيبها أثناء الحوار فإنها تندفع في ثورة حادة عارمة تحطم كل شيء حولها بل وقد تحطم رأسها، وهي غير ديموقراطية ، ولا تعطي الفرصة لأي نقاش أو حوار وتتصور أن رأيها هو الأصوب وتحليلها هو الأصح وأي محاولة لاقناعها بالعكس تفشل.
ثالثا: الأنانية
هذه الصفة أساسية في كل امرأة غيورة، وإن درجة من الأنانية موجودة عند كل امرأة وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بحياتها العاطفية، وطبعا قدر معقول من الأنانية يصبح مقبولا ومحتملا لأنه ببساطة يعني الحرص والذود عن الحياة الخاصة وحمايتها من تدخل الآخرين، وهذا القدر من أنانية المرأة يمكن أن نسميه الاهتمام بالذات ،وهناك فرق بين أن يكون الإنسان أنانيا وأن يكون مهتما بنفسه، الأنانية هو الذي يريد كل شيء لنفسه بطريقته متجاهلا رغبات واحتياجات الآخرين، لا يهمه تعارض مايريد مع رغبات واحتياجات الآخرين، يريد أن يحتل الطريق وحده ولا يفسح مجالا لآخر، يريد أن يمشي في عكس الاتجاه ولا يحق لأحد أن يعترض، وتلك هي عقلية الطفل الذي لم يتعلم المشاركة ولم يتعلم أن يدفع مقابل أي خدمة يحصل عليها ولم يتعلم أن يضع اهتمامات وآراء ورغبات الآخرين في المقدمة بعض الوقت ، وكذلك المرأة الغيورة تتجاهل رغبات وآراء واهتمامات واحتياجات الإنسان الذي تحبه، غيرة هذه المرأة تمتد إلى عمل الرجل ومصالحه، وهواياته، تمتد إلى أمه وأخواته، إنها تريد أن تستحوذ عليه بالكامل ولايبقى منه أي شيء لأي شيء، هذه المرأة الغيورة الأنانية تريد أن تكون هي كل شيء وفي كل وقتل وقبل أي شيء.
رابعا: الخوف
الإنسانة الغيورة يسيطر عليها الخوف بشكل عام ، إنه مثل خوف الأطفال، تخاف من أشياء بسيطة لايخاف منها أي إنسان، أقل الأحداث وأبسطها تؤثر عليها وتثير في نفسها الفزع، تشعر بالتهديد من أقل شيء،إن أفكارها تحملها مخاوفها إلى مابعد حدود المعقول والمنطقي، تخاف من أي اهتمام يوجه إليه، تخاف من شهرته ،تخاف من ثراته، تخاف من نجاحه، لا شيء يعطيها الأمان، لا شيء يجلب السلام إلى عقلها وقلبها.
والخوف إحساس مؤلم ومعذب، وهو الذي يجعلها تفقد السيطرة وتندفع بتسرع غير مبني على أي حقائق لتتهمه بأشياء غير حقيقية تكون أحيانا مثيرة للضحك لعدم معقوليتها، وحين تهدأ وتندم لا تجد مبررا لسلوكها غير أنها تحبه حبا جنونيا يغذي مخاوفها، ولكن الحقيقة أن مخاوفها نابعة من داخلها، فهي قد تعرضت للتهديد المستمر ، والخوف حين يتحول إلى عقدة مرضية فإنه يجعل الإنسان يخاف من أشياء غير معقولة بعيدة عن التصور المنطقي ، وهذه هي مخاوف الإنسانة الغيور ،مخاوف غير معقولة.
خامسا: الشعور بالاضطهاد
وهو شعور سيئ يدفع بالحزن إلى نفسها يجعلها في حالة دائمة من الضيق والسخط وتتساءل لماذا يهاجمني الناس؟ لماذا يتربصون بي؟ لماذا يريدون أن يحطموا سعادتي ويدمروا حبي ويختطفوا حبيبي؟ تشعر بالاشفاق تجاه نفسها وقد تتخذ مواقف عدوانية تجاه الآخرين، الإنسان الغيورة تحمل بعض ملامح الشخصية الاضطهادية والتي لديها حساسية زائدة فتجسم الأمور وتبالغ فيها وتحمل الأشياء والكلمات والمواقف معان بعيدة عن الحقيقة وتتصور خاطئة أن مشاعر الناس تجاهها عدائية وتتوقع منهم الايذاء والضرر.
سادسا : هزيمة الذات
الإنسانة الغيورة لا بصيرة لها، فبالرغم من أن تكون في الغالب لامعة الذهن وذكية، رائعة وقادرة وناجحة في أشياء كثيرة في حياتها، ولكن حين يتطرق الأمر إلى الإنسان الذي تحبه فإنها حينئذ تبدو وكأنها متخلفة عقليا، قد ترتكب حماقات من أجل أن تجرحه وتضايقه وهي تعلم تماما أنها ستفقده بهذا الأسلوب ولكنها تندفع وتتمادى ولا تستطيع أن تمنع نفسها، عقلها الباطن صور لها المعادلة على النحو التالي: لقد ابتعدوا عني لأنهم لا يحبونني .. إذن أنا لا أستحق الحب .. بل أستحق الكراهية.. إذن هم يكرهونني.. إذن لابد أن أكره نفسي لأنها غير جديرة بالحب.. إذن لا بد أن أعاقب نفسي واؤذيها.
ختاما:
المؤمنون بوجود الحب الحقيقي في حياة البشر يقولون بيقين نابع من حس طاهر ، فالحب هو نفحة قدسية يهبها الله لبعض عباده الأطهار أو حين يريدهم أن يتطهروا، المحبون مختارون من الله لينعموا على الأرض بفيض من النور الإلهي ،فإذا تطلعت إلى وجه إنسان يحب ستجده يفيض بشرا ونورا وجمالا ، وإذا اطلعت على قلبه ستجده ينبض رحمة وحنانا وإخلاصا، وإذا اطلعت على روحه ستجدها تفيض طهرا وجلالا ووفاءً .
المصدر : https://dinpresse.net/?p=14360