عثمان القشتول
باحث مغربي، يقيم في باريس
خلف التماسك الظاهر للسياسات الفرنسية في مكافحة “التغلغل الإسلامي الحركي”، يظهر طيف من التأثيرات العابرة للحدود حيث تلعب بعض دول الخليج العربي دورا غير قابل للتجاهل، وذلك منذ عقد من الزمن، ولا تقتصر المنافسة بين قطر والإمارات العربية المتحدة على الساحات الإقليمية: بل تمتد إلى النقاشات الأوروبية بما فيها النقاشات حول الإسلام السياسي، حتى تعيد تشكيل بعض شبكات التحليل الفرنسية.
تمكنت قطر مثلا، منذ التسعينيات، من بناء دبلوماسية تأثير مرتبطة بالإسلام السياسي. من خلال دعم ”الإخوان المسلمين” – الذين يستضيفهم ويمولهم ويروّج لهم عبر الجزيرة – سعت الدوحة لتجسيد حداثة إسلامية تجمع بين الشرعية الشعبية والإصلاح الديني. وقد وجدت هذه المواقف صدى في بعض الدوائر الإسلامية الأوروبية، بما في ذلك في فرنسا، من خلال مؤسسات ودور عبادة أو مشاريع تعليمية مرتبطة بشخصيات يُنظر إليها على أنها قريبة من جماعة الإخوان. لقد تم قبول هذا ”القوة الناعمة” الدينية، التي غالبًا ما يتم تضخيمها من قبل مؤسسة ”قطر الخيرية” في البداية، بل وشجعت باسم التعددية.
على عكس هذا التوجه، رأت الإمارات أن الإخوان المسلمين تمثل تهديدا للنظام الداخلي، كما للهياكل الإقليمية التي يدافعون عنها. منذ أحداث مصر في 2013، انخرطت أبوظبي في حملة ضد الجماعة كخط فصل أيديولوجي، مفعّلة دبلوماسية مضادة عبر تمويل مراكز الدراسات البحثية، والتقارب مع قوى سياسية غربية تدعو إلى فرض رقابة أكثر صرامة على هذه الجماعات.
في هذا السياق، تواجه فرنسا بعض تداعيات هذه السياسيات، ومن ذلك تكرار الجدل حول مكانة الإسلام في الفضاء العام، وقد اعتمدت أحيانا بشكل واع أو غير واع، بعض المنطق السردي الذي تشكل في دول الخليج العربي.
إن مفهوم “التغلغل الإسلامي الحركي”، الذي اشتهر في الدوائر السياسية والإعلامية، مدين كثيرا للجهود الرامية التي بذلت، وقد شاركت مكاتب الاستشارات في إعادة رسم ملامح الشك – لم يعد مركزا فقط على خطر الإرهاب، بل على ازدواجية الشبكات المعلنة عن “الإسلام الجمهوري”، لكنها تخفي نوايا فرعية.