حسن حلحول ـ محامي عضو سابق بهيئة الرباط
انعقد مؤتمر جمعية هيئات المحامين بالداخلة في ظروف غير عادية ، ظروف مقاطعة الجلسات في المحاكم ، هذا الأسلوب النضالي عرف نقاشات وسجالات وتجاذبات في الآراء بين المحامين انقسم حولها بين مؤيد ومعارض كللت بالرد والرد المضاد والتعليق والتعليق المضاد،كل فريق بما يؤمن مدافعا يرى أنه هو الصواب.
يا معشر المحامين لقد جاءكم وقت اجتماعكم الموسمي ، فقد حافظتم على تنظيمه وحرصتم على إنجاحه بالرغم من كل الصعوبات التي كادت أن تعصف به ، ها أنتم اجتمعتم في مؤتمركم 31 تحت سقف جمعية هيآت المحامين ، فاعتصموا بحبل المحاماة جميعا وبأعرافها وتقاليدها لا تتفرقوا ولا تنفروا منها، لا فرق بين هذه الهيئة وأختها إلا بالتقوى ولا بين الصغيرة والكبيرة إلا بحبها لمهنة المحاماة حبا جما .
إن هذه المحطة التاريخية تختلف عن المحطات السابقة، يأتي انعقاد المؤتمر في ظروف عرف فيه التصعيد ضد وزارة العدل إلى مستوى نضالي لم يمارس من ذي قبل في تاريخ المحاماة بالمغرب .
لقد عرفت المحاماة على مستوى الجبهة الداخلية انشقاقات بتقديم هيئة الدار البيضاء استقالتها من الجمعية، وهذه الظاهرة الخلافية بهذه الحدة لم يسبق لها مثيل في تاريخها ، كان في سابق الزمان كلما نشب خلاف بين الجمعية وبين أي نقيب من هيئة من الهيئات سرعان ما يتم احتواؤه ،ولكن ما نعيشه اليوم إذا ما نظرنا إليه ورصدناه من الناحية العلمية، نجد أن المحاماة تعيش تحولات ذاتية تسير في الاتجاه الانشقاق داخل الجمعية بل حتى على مستوى الأفراد كل محامي يستقل بقراره لنفسه دون الرجوع الى مؤسساته أو الامتثال إلى قراراتها وهذا شيء خطير وقع في عديد من المحاكم عندما انفرد بعض المحامين مخترقين المقاطعة، كما أن هناك هيئات قاطعت وأخرى رفعت الستار عن مقاطعة الجلسات فصدرت بيانات متباينة في هذا الشأن بين متحفظ ومؤيد ، وهذا الارتباك قد يرجع إلى الوهن والضعف الذي يدب في المؤسسات المهنية ، فهل يا ترى هي الأخرى تخضع لسنة الحركة الجوهرية التي تبدأ بالنشوء ثم الارتقاء ثم الضعف والوهن إن صح التعبير؟
إن هذه التناقضات تصورلنا مشهد المحاماة بتجلياته العامة، يستفاد منها ان هناك صراعا داخل جسم المحاماة يقوده الفئة الثلاثة وهي: الفئة الأولى تمثل الأكثرية تطالب بالمقاطعة الشاملة للجلسات بهذه الوسيلة ترى أنها تتحقق مطالبها وهي تتزعمها شريحة الشباب التي أصبح لها تأثير كبير على إصدار القرارات في اتجاه موقفها ولا تبالي بالقرارات التي تصدر عن المؤسسات المهنية التي قد تخالف طرح وموقف القواعد الشبابية، وهذا التغيير الردكالي في إصدار القرارات بعد أن كانوا بعيدين عنها، وقد ساعدهم على ذلك التطور الذي عرفته التكنولوجية المعلوماتية التي أصبحت الحصول على المعلومة سهلة عبر التواصل الاجتماعيوسهل تمريرها، وهذه الفئة لم تكن في الامس القريب لها أي تأثير في اتخاذ القرارات المصيرية ،وبعد التغيير الجذري الذي طرأ في هرم جسم المحاماة الذي توسعت فيه قاعدة الشباب الذين باتوا يشكلون الأغلبية المطلقة ،فكانت من بين نتائجها الأساسية عدم التقيد بالتراث (الأعراف والتقاليد) ولا يبالون بها وقد تنطبق عليها قاعدة التي قعدها ابن خلدون عندما قال كلما تقدمت وتوسعت القرية وانتقلت من البدو إلى التمدن تندثر أعرافها وتقاليدها التي كانت سائدة من ذي قبل.
هذه هي سنة الحياة لذا فإن هذه الفئة تحتاج إلى قدماء المهنة لترشيد توجهاتهم، وتنوير اندفاعهم نحو خدمة المهنة.
الفئة الثانية: هي تتمثل في المحافظين تتكون من جميع النقباء والأعضاء المجالس السابقين والممارسين وكذا الفئة العمرية المتقدمة في السن وهي تشكل الأقلية، يرى المحامون الشباب فيهم قيادمة المهنة واجب احترامهم، وهم يرون أنفسهم حكماء المهنة نظرا لأعمارهم وخبرتهم الطويلة التي راكموها في ممارسة المحاماة، وهي تتميز بعقلية كلاسيكية محافظة تعيش على ماضي المجيد، يعتقد الشباب أنها لا تصلح في الوقت الحالي أن تقود نضال المحامين، أو أن تحمل مشعل التفاوض حول القضايا المهنية الساخنة المطروحة، وانها لن تقوى على مواجهة تحديات الراهنة وصد الهجمات التي تتعرض لها المهنة، ولكي يحقق الشباب طموحهم يعملون على تنزيل جدول الأعمال الذي تتبناه كمشروع جماعي شبابي بدون كلل تتطلع إلى محاماة تقدمية حداثية تنتفض في وجه كل من يمس بثوابت المهنة المتمثلة في استقلاليتها وحصانتها، ولا تقدس الأعراف والتقاليد التي قد تشكل حائلا في وجه تقدمها، وذلك بعدم ترك القادمة باستفراد بإصدار القرارات تخص نضالها في مواجهة مشروع قانون المهنة ، ومشروع قانون المالية ،وتنظيم مبارة المحاماة، والتغطية الصحية التي تستهدف التعاضدية، وغيرها من القوانين.
الفئة الثالثة: وهي في منزلة بين المنزلتين وهي فئة متوسطة لا في العمر ولا في العددية، تعيش الترف الفكري إذ تكثر في الجدال والحوار ولا تأثير لها، وتبعا لذلك لا تأثير لها لا في الفئة الأولى نظرا لألقابها الشريفة، ولا في الفئة الثانية لقوتها الشبابية التي أصبحت طليعة المحامين، وبقيت الفئة الثالثة تحمل هم المهني أفقيا تجادل من أجل الجدل لإثبات وجودها ، واصبحت تؤطر النقاش كمساهمة منها في إغناء الحوار والتفيق بين الفئتين نحو مستقبل أفضل ولا تأثير لها في القرارات .
يبدو أن الصراع بين أجيال المحامين ظهر بشكل جلي في الصراع القائم مع وزارة العدل، خصوصا بعد توسيع قاعدة الشباب الوافدين عليها الذين أصبحوا يتحكمون في الانتخابات ككتلة ناخبة لها تأثير كبير في تصريف قرارات المؤسسات وهذه الورقة الضاغطة يلعب بها الشباب على الفئات الاخرى، وهذا لا يمكن أن ينكره أحد فلكل جيل عقليته وأفكاره القبلية التي ينطلق منها كمعيار في تفسير وتحليل الأحداث الطارئة وهذا ما لمسناه من خلال التردد في اتخاذ القرارات داخل الهيئات النقابية تجاه مشروع قانون المالية لسنة 2023 فمن الهيئات من اتخذت قرارا لإرضاء لهذه الفئة العريضة قصد استمالتها لأغراض انتخاباتية ، وهناك من يناور بين هذا وذاك عسى أن يحظى بالرضا من كل الفئات المتصارعة ، ونلاحظ أن ثمة أربع أنواع من القرارات:
قرارات صادرة عن جمعيات هيئات المحامين .
قرارات صادرة عن هيئات النقابية.
قرارات الصادرة عن الإطارات المهنية الشبابية.
قرارات الصادرة عن المحامين أفرادا.
إن من يحب المحاماة من نقباء وقيادمة ومحامين بشتى أعمارهم فليرجع كل واحد منا إلى استعمال النقد الذاتي ومن خلاله تقييم الوضع العام الحالي للمحاماة، وذلك بطرح الاسئلة التالية: كيف كنا وكيف نحن الآن ؟ كيف يمكن الخروج من القوة إلى الفعل لإرجاع أمجاد المحاماة ؟ ما هي الأسباب التي جعلتنا نصل إلى هذا الوهن ؟ أهي أسباب داخلية ام خارجية ؟ أهي اجابية من أجل إعادة قراءة مشهد المحاماة من زاوية التحولات التي تعيشها ؟ ام أنها تعيش طفرة نحو عالم جديد نجهل حسابته؟
إن ما يجب علينا الآن فعله في هذه الظروف هو تجديد الرؤية الاستراتيجية تتماشى مع مستجدات محنة المحاماة الراهنة، للحفاظ على مكتسباتها وهويتها التاريخية عبر الزمن التي تتعرض للطمس ،فلا يمكن إلا أن نسجل أن توحيد الصف يضمن وحدة وجودنا ، وأن توحيد الرأي يضمن لنا بعد النظر، وأن توحيد المواقف يضمن لنا وحدة وقوة الصمود، وأن توحيد الكلمة تضمن لنا النصر في الحواروتضمن كذلك رفع من مستوى التحديات. وان قوتنا في وحدتنا ومن يريد الإصلاح وتقويم الاخطاء يكون من داخل وحدة الصف وليس من خارجها ، وأن الطريق الذي تسير فيه هيئة الدار البيضاء هو طريق لا يؤدي إلى خدمة المحامين وإنما يؤدي إلى الإضرار بأنفسهم أولا وبالمحامين عامة، وأن جادة الصواب في وحدة الصف.
وذلك للاعتبارات التالية:
الاعتبار الاول: إن جسم المحاماة عرف في الآونة الأخيرة عدة مشاكل فقد من خلالها عدة مواقع القوة التي كان يتدخل فيها، فقد كان يحسب لها ألف حساب عندما يتعلق الأمر بالتشريع في مهنة المحاماة وكان شريكا أساسيا، لا يمكن أن يكون هناك عمل تشريعي جاد وصائب إلا وساهم فيه المحامين، ولا يخرج إلى الوجود إلا ومباركتهم له.
كما أن لا يمكن أن نتصور أي تشريع دون حضور المحامين فيه سواء تعلق الأمر بالقانون الجنائي،أو قانون المسطرة الجنائية، أو قانون المسطرة المدنية أو مدونة الأسرة وهلمجرا.
الاعتبار الثاني : الانشغال بالانتخابات المهنية قد افقدت الدفئ الذي يجمع المحامين، فطغت حسابات انتخابوية على حسابات المهنية ، فشغلتنا على الاهتمام بأنفسنا وبمهنتنا وخلقت العداوات بين المحامين، وفرقت بيننا حتى أصبح الشغل الشاغل للمحامين هو الوصول إلى منصب نقيب أو عضو في المجلس، بل تعدادها إلى التراشق بالكلام الذي لا يليق بمقام المحامين.
الاعتبار الثالث: الالتفاف حول المؤسسات التي لها الشرعية في الحوار والتحاور بين الغير، وأن توحيد المواقف لا يتأتى إلا بالتنازلات لتقريب بين وجهات النظر ، أن من شأن ذلك يضمن القوة والصمود والتحدي كل اعتداء على مهنة المحاماة .
إن المرحلة المقبلة ما بعد مقاطعة الجلسات رهين بنتائج التي سيكون عليها، ففي كل الأحوال فإذا كان نصرا فإن سيرجعون فضلها لهم وهذا واقع وإذا كان هزيمة سترمي لومها وتحمل مسؤولية الهزيمة للقيادمة ( الفئة الثانية). في النهاية كيفما كانت النتائج المرحلة القادمة ستكون الكلمة الأخيرة للشباب ليقول كلمته، وأن الانتخابات القادمة سيكون الفائز فيها الشباب، وأتنبأ أن كل النقباء سيتوجون من الشباب، وان مسؤوليتهم تجاه المهنة ستكون عسيرة لوجود تحديات كبرى داخلية وخارجية وعالمية. فاليحيى شباب المهنة مواكبا لما يحدث ، يقظا لما يشرع، فطنا لما يحاك ضدها، صادا بالمرصاد بمن يتربص بها من ذوي القربى ومن البعيدين عنها.” والله ولي التوفيق “
المصدر : https://dinpresse.net/?p=19186